ما هو المميز في (مانك)؟!

ورشة فن - سينما

0 688

كميل عبدالعلي – السعودية

فيلم (مانك) يتحدث تحديدًا عن الظروف المحيطة التي كان يمر بها كاتب سيناريو أحد أهم روائع كلاسيكيات السينما وأفضل الأفلام (Citizen Kane المنتج عام 1941)، ويعرض انعكاسات كثيرة في شخصية الكاتب (مانك/ Mankiewicz) من خلال فلاشات باك على مسار العمل كاملًا.

العمل يتطلب تواصلًا خاصًا، وحالة تلقي مغايرة؛ بسبب الاشارات الكثيرة للوضع الخاص بهوليود، وبأحداث تاريخية خاصة في تلك الفترة. هو من الأعمال التي تتناول كواليس صناعة الأفلام، ولكن بشكل مختلف، ربما من الناحية الاقتصادية والسياسية، حتى والأهم توظيف هذا كله في تعزيز حالة الشخصية الرئيسة للعمل، وتشريح لأبعادها، بل لرواسب إبداعية ما ربما أدَّت إلى مخاض فني خالص فيما بعد في رائعة (Citizen Kane)، وهنا أحد أهم مكامن الإبداع في السيناريو والإخراج.

العمل يتخذ كما ذكرت أسلوب الفلاش باك في التنقل في الزمن، والذي جاء مزعجًا في بداية العمل للشواهد الكثيرة التي يجب على المتلقي متابعتها ويعتاد على أسلوبها.

جدير بالذكر، أن العمل من إخراج المخرج العبقري  David fincher، وهذا العمل جدير وبشدة بأن نقول فيه بأنه خرج من عباءته بلمسته الخاصة كمخرج. ذهب إلى منطقة مختلفة تمامًا، بعيدًا عن كون هذا إيجابي أو سلبي؛ فهناك الكثير من القرارات الإخراجية التي كانت بمثابة تحديات ربما شعرت بأنه لم يسد ثغراتها كفاية. هذا، إلى جانب التحدي الأكبر في أنه يُخرج عملًا دراميًا كهذا المختلف تمامًا عن طبيعة أعماله الغامضة والتشويقية السابقة.

من القرارات الاخراجية المقصودة هو الاستغناء عن الألوان والاكتفاء بالأبيض والأسود كخيار. هذا القرار يتبعه أمور كثيرة على مستوى بناء الصورة والمشهدية في العمل. القرار بحد ذاته ذكي ومُبرر ومفهوم أخذا في طبيعة الاحداث والحقبة التي وقعت فيها، بل وهناك اشتغال تكنيكي رائع يتضح بالـ(قفلات). في كل مشهد ترى فيها وضوحًا جليّا لرائحة كلاسيكية رائعة، ووعيًا كبير جدًا لدى المخرج في خلق حالة الأبيض والاسود بكل أصالة، لكن شعرت بعدم الغوص العميق في الجانب الفني للصورة، رغم ثراء الشعور الذي ينتابك في أعمال الأبيض والأسود فيما يتعلق باللقطة.

النص كما ذكرت جاء منصهرًا مع الاخراج، وفِي حالة تماهي شديدة، في أسلوبه السردي؛ الأمر الذي صنع تصاعدًا خفيًا كخيط رفيع بشكل متماسك وعبقري. أما الحوارات في العمل فإنها تعيدك أيضًا لأفلام الزمن الجميل. تلك الحوارات المكتوبة بعناية وبدقة، كما في أفلام تلك الحقبة؛ وهذا كان لابد منه لأن الشخصية الرئيسة ثرثارة وذات لسان سليط. هذا يقودني لفكرة أن أعمال السيرة الذاتية، أو التي تتناول شخصية حقيقية، يشترط فيها شرط بديهي وهو ثراء خاص ونوعي في الشخصية نفسها!

لوهلة تساءلت ما هو المميز في (مانك)؟! ولكن وجدت مع مرور الاحداث، بأن هذا أحد الخطوط التي يلعب عليها الفيلم بشكل مختلف (كخيط رفيع) كما ذكرت .حتى على مستوى الاداء، جاري أولدمان (Gary Oldman) ممثل مخضرم وأحد أفضل الاسماء على وجه الارض في تاريخ التمثيل بلا منازع، وهو حتى في أسوأ أحواله سيكون ساحرًا، لكني شعرت بعدم الانتماء والتعلق بالشخصية، الامر الذي خفَّ تدريجيًا وبتُّ أتلذذ بحواراتها وأشعر بكل حالاتها القوية والاهم الضعيفة . في السعي للتتويج بالجوائز، سيبدو من البديهي ترشيح جاري أولدمان، رغم أن البعض قد يدخل بسقف عالي بعد فوزه في شخصية وينستون ترتشل قبل فترة، وكذلك للمخرج الذي توقف ست سنوات من بعد رائعته (Gone Girl) وينتظره البعض بنوعية معينة من الاعمال وجاء هنا مختلفا تماما عنها.

 بالتأكيد سيكون (مانك) أحد رهانات نتفلكس للاوسكار.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.