عن درامية انا ماكبث للكاتب العراقي منير راضي

ورشة فن - مسرح

0 375

سعاد خليل – ليبيا

هي رحلة من التأمل والتخيل تحلق بنا في عالم تاريخي يجمع الواقع والخيال . شكسبير الشاعر والكاتب المعروف قرأنا ومثلنا مسرحياته ونعرف قوة المفردات التي يستخدمها وخياله العميق في طرح اعماله.. وحبكة أسلوبه وبلاغته الناطقة وتركيبتها الهزيلة التي وصفت باللعنة، هذا الكاتب الذي من الصعب وجود نظير له، كما نعتقد.

ولكن في نص مسرحية (أنا ماكبث) للكاتب والمخرج منير راضي، وجدت نفسي أحلق في عالم شكسبيري من نوع آخر لا يختلف عن الأول كثيرا، ولكنه يتميز بخلق أجواء بعيدة عن التقليدية باستدعاء لشخصيات شكسبيرية تاريخية من اعمال الشاعر مع صور العصر الذي نحن فيه.

تجري أحداث المسرحية وكأنها محاكمة ماكبث من قبل الشخصيات المذكورة، وكيف يتجه الكاتب كما يقول: بإيجاد نسخة عربية من شكسبير وبنفس قوة الفاظها ومخيلته العميقة المثيرة للعواطف، وهذا لمسته في نص المسرحية، فبها توجد مفاهيم وصيغة قوية ودفينة في عملية هذه الصياغة التي لا تخلو من الوظيفة الجمالية بأسلوب عميق ومقنع لخلق التفاعل بين القارئ والنص .. وتخييله عند التنفيذ.

أعرف الكاتب وقوة حواراته، والتي استخدمها من خلال مفرداته وحواراته القوية .. ولعبه بالألفاظ، وتفسير الدوافع وذلك من خلال تكنيك آخر لم يستعمله في أعماله الأخرى، رغم ان روحه موجودة في النص. نصه يجعل القارئ يقترب ويبتعد، ينجذب ويفكر لما يتركه من حيرة وتنقل بين الشخصيات وحواراتها التي تنبش واقعنا المرير. إنه يعيدنا إلى تاريخ العصر الاليزابيثي ولكن برؤيا مغايرة في عالم الظالم والمظلوم.

والأجمل في هذا النص هو استدعاء الكاتب شكسبير ضمن الحاضرين في المحكمة ويتم استجوابه، وهذه لعبة محاكمة كاتب النص الأصلي لماكبث، إلى جانب الاسقاطات الكثيرة في النص منها حوار بين ماكبث والساحرات. جذبني في هذا الحوار رغم انه ضمن حوارات لا تقل متعة وعمقا وابداعا.

ماكبث:   العين السحرية ترصد كل ما طار وحط من الاهوال وشهوة البائسين، ولكنها لا تحفظ عذرية الغدر وخيانة الاحداث، هناك من يتقاسم بكارة الليلة الاولي في اقبيه الملوك لانهم وحدهم من يصنعوا القراصنة، وهناك الغدر في تزييف الحقيقة وتدوير الاحداث حيث ما يشتهيه كرسي الدم وحيث ما تحط خراج الذهب علي موائد الشعراء، مئات من السنين والدهور صيروني احدبا بثوب الرذيلة والعهر. هناك من خدع التاريخ بمعول صلد تكسرت عليه آثام الزيف وجعلني مربوط بساقية كلاب جهنم، جعلنا كاتب ذاك المسفوح بدم سيده دانكان قاتلا شرير يزمجر رعبا وفتكا بالملوك، أنا المذبوح بحبر القلم وريشة الشمع الأحمر، أنا المعطون بزيف قدح الكلمات وصيادي التدوين المارقين، أنا الجنرال ماكبث، أنا من فتح السفوح والجبال، أنا صياد المردة والجن الأزرق، أنا صائد الذئاب المتخمة والمترفة، في زمني اجتمعت الذئاب والكلاب معا.

هذا الحوار يحمل الكثير بين سطوره ما شدني أكثر كيف استمد الكاتب أحداث هذا النص من مخزن أعمال شكسبير التاريخية وهذا يؤكد قوته و دراساته وتقديم التشابه بين الماضي والحاضر. مسرحية (أنا ماكبث) فيها أحاسيس متباينة وعواطف مضطربة وصراعات لا تنتهي بين الشخصيات وتوتر وقلق للبحث عن الحقيقة. إني أراها معالجة برؤية مسرحية جديدة للبحث عن الخلاص. هذه الشخصيات الشكسبيرية واسلوبها في المحاكمة وكيف الكاتب يرى الواقع من خلال بعض الحوارات.

قبل دخول شكسبير يقول الملك لير: في حوار يخاطب واقعنا المرير وما يحدث تحت قناع الوطنية:

الملك لير:  في كل زمن ومكان، انهار من الدم تسفك بعنوان الأوطان ، بعضها بيع بالمزاد، وبعضها    حكمها الجلاد وبعضها رهنها أهلها باسم الالة وقدموها ذبيحة كالقربان، وها نحن اليوم نجلس  وسط هذه العباب، حتي نعي من نحن، وماذا نريد، وننتظر لمن الغلبة، ولكننا أخيرا سنرجع عراة كما ولدنا.  

يا لقوة هذه الكلمات وكيف ينزع الأقنعة ليبين الجوانب المخفية في النفوس تحت ذريعة وحجة الأوطان، وهذا ما يحدث في اوطاننا. صراعات كثيرا في هذا النص من خلال حضور الشخصيات التاريخية الشكسبيرية باختصار انها صراعات من الذات الإنسانية صراعات تتبلور في بؤر عميقة، إنه البحث عن الحقيقة، هذا الصراع الذي يتشكل بين مجموعة متعددة كالملك لير وعطيل وهاملت وصوت دنكان وشكسبير والساحرات الخ. كل هؤلاء يمثلون صراعا بين النفس والموضوع، وهنا النفس أعنى بها وحسب فهمي للنص نفس المتلقي الكائن الموجود حاليا.

الكاتب منير راضي يعبر عن قضية إنسانية تخص الجميع في هذا العالم، ولكنه جسدها في عدة شخصيات تمثل القيمة الإنسانية والسياسية التي نفتقدها في هذا الوقت. لا أعرف قدرة الكاتب وكيف يميز شخصيات العمل بتكوينها الداخلي وأحاسيسها ومشاعرها في بعض المشاهد وكيف لقدرته تسليط الضوء على واقعنا الحالي من خلال استدعاء هذه الشخصيات الشكسبيرية وما ضمنه من دلالات فكرية واضحة وقيمه لنخرج بفكرة مهما كانت اوضاعنا وما نعيشه من مأساة، فدائما هناك شعاع من الضوء.

أتخيل هذا العمل وأتمنى من الكاتب أن يصيغ له سيناريو ليقدم أيضا كفيلم سينمائي إلى جانب تقديمه مسرحيا.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.