فيلم رمزي، فلسفي، سياسي، يساري، عنيف، ومذهل، وسادي، ومثير، ومرعب، وعالي التأويل والتفسير، يمضي بك بصورة عمودية لا ترحم، هكذا يمكن التعبير عن فيلم: PLATFORM (المنصة).
لعل روايات السجن وأفلامه المتكئة عليها هي المسرح الحقيقي الكاشف عن خبايا وحقيقة العالم، فمن حيث تضيق الدنيا تتسع الرؤية، وتننفرج مفاهيم الحياة.
من هنا ينطلق فيلم “المنصة” الإسباني الذي أجده -بمعزل عن شيوعية الفكرة أو رأسماليتها- من أعمق الأفلام التي ناقشت السلوك الاجتماعي وعلاقة الفرد والجماعة بالتوزيع العادل للثروات، حيث نواجه الطبقات الاجتماعية متمثلة في طبقات (المنصة) التي هي عبارة عن حفرة بها طبقات عميقة تبدأ من الرقم صفر، حيث توضع الثروات (الأكل) كلها على طاولة واحدة (المنصة)، وتبدأ في النزول مانحة كل سجناء كل طابق ثوانٍ معدودة للأكل والشرب قبل نزولها للطبقة التي تليها، وهكذا حتى تصل لأدنى طبقة عميقة في الحفرة الذي يشتمل كل طابق من طوابقها على سجينين اثنين.
كل سجين في الحفرة يمثل شريحة اجتماعية مختلفة ومدروسة، ومؤشر معرفة المشاهد بماهية الشخصية تعتمد على اختياره، حيث تتيح إدارة السجن للسجين بأن يأخذ معه في زنزانته شيئاً واحداً فقط (كتاب، مسدس، كلب، سكين، كمان، حبل، إلى آخره) هذه الاختيارات هي مفاتيح معرفة المشاهد بطبيعة الشريحة الاجتماعية التي يتعامل معها ويراقبها.
يختار بطل الفيلم أن يجلب معه كتاباً ليجعل نفسه بين جميع السجناء في واجهة التعجب والاستغراب، فمن سيجلب له كتاباً في قاع هرم ماسلو سوى من يجد في الثقافة والمعرفة سبيلاً للتخلص من التعقيدات العميقة التي سيسقط بها الفرد والمجتمع.
يقف الفيلم على الجشع البشري لسجناء الطبقات جميعها، حيث يكشف عن عدم كفاية الأكل والشرب لجميع السجناء الذين يعبرون عن السلوك الاجتماعي الفردي، وعلاقته بهرم ماسلو الشهير للاحتياجات الإنسانية الفيسيولوحية الأساسية (التنفس، الطعام، الماء، النوم، الجنس، الإخراج)، وكيف يمكن مجاراته من أجل البقاء، أو الثورة عليه وفق قانون السياسي وأنظمة السلطة التي تدير السجن.
القضية الرئيسية التي يحاول أن يحلّها غورينغ (الشخصية الرئيسية والذي يمثل دور المثقف العضوي الغرامشي الفاعل)، هي: إذا كان الطعام الممنوح على المنصة يكفي لكل الطبقات بما فيها أقصى الطبقات السفلية، فلماذا يضطر السجين في تلك الطبقات لأن يقتل شريكه في الغرفة ليأكله. هنا، يواجه البطل نفسه في التجربة المرعبة نفسها، حيث تسقط المبادئ والقيم الإنسانية ليمارس ما كان يجده فعلا حيوانياً، ولا أخلاقياً، فيجد نفسه ملطخاً بدمٍ بشري (سقوط المثقف)، فيأكل من جسد زميله الذي قتله دفاعاً عن نفسه قبل قليل، ليتحوّل بذلك المثقف من دوره التنيري لدوره السلطوي في فرضه للقانون فرضاً (البقاء للأقوى).
شهر واحد يعيشه السجين في مستواه قبل أن ينتقل للمستوى الثاني الذي لا يعلم إن كان سيكون في الأعلى، حيث وفرة الطعام، أم في الأسفل حيث البشر يأكلون بعضهم البعض (التنقل من مستوى لمستوى ليس عمودياً، وإنما قائم على حسابات غير معروفة). لهذا فمن الطبيعي أن يستشعر أولئك السجناء حقهم في الأكل بشكل شره ومبالغ فيه خصوصاً حين يكونون آتين من طبقات سفلية متوحشة، أدركوا بعد نجاتهم منها بأن التضامن العمودي في المنصة أمر مستحيل.
هذه النتيجة جعلت البطل (المثقف) يفكر في حراسة المنصة مع زميله الجديد في المستويات العليا، بحيث يضمنون وصول المنصة لأدنى طبقة سفلية. لكن الأمر لا يجري كما هو مخطط له، وهنا إشارة عميقة لطبيعة السلوك البشري وعدم القدرة على السيطرة عليه بالحوار والاتفاق الجماعي، فهو ينزع وقت الجوع والخوف لسلوك حيواني فطري، يحتاج لقوة السلطة وسلاحها لإعادة تقويمه ووضعه في مساره الصحيح، وكأن الفيلم يناقش بطريقة ما علاقة السلطة بالفرد بمعناها الشمولي حسب برتراند راسل.
هذا الفيلم الذي أتوقع له إعجابكم يذكرني بمسرحية صمويل بكيت (في انتظار غودو)، حيث الحواريات الثنائية الكونية الفلسفية الوجودية العميقة لأمر لا يأتي.
يضم طاقم الفيلم إيفان ماساجوي وأنطونيا سان خوان وزوريون إيجويلير وإميليو بوال كوكا وألكسندرا ماسانغكاي، وتم عرضه لأول مرة في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي لعام 2019. وحاز على جائزة اختيار الجمهور.
وبحسب Rotten Tomatoes أن 83 ٪ من النقاد أعطوا الفيلم مراجعة إيجابية استنادًا إلى 42 تعليقًا، بمتوسط تقييم 7.08 / 10.
ان من جاء ومعه الكتاب يمثل نبي مرسل من الله والله لايتدخل في ادارة البشر بطبقاتهم بشكل مباشر لهذا يتحدث الفيلم عن التنظيم العفوي او الادارة الذاتية التي ترك الله بها الكرة الارضية ان الدين او الكتاب الديني او مايمثله ليس كافيا لادارة البشر لابد من وجود منظومة بشرية منفصلة عن الدين. والرأسمالية ليست الحل لانها ستوقعنا بالحفرة والشيوعية هية الحل
كل الافلام الاسبانية تتجه لدعم الشيوعية الفاشلة وهذا الفيلم اكبر دليل