ثقافة نبذ التطرف.. فيلم (الضيف) انموذجاً

ورشة فن - سينما

0 1٬336

نهار حسب الله – العراق

يُعد التطرف واحداً من أهم القضايا الأساسية التي تشغل المجتمعات المعاصرة، بوصفه ثقافة سلبية تعبوية، وفكر ظلامي قائم على إقصاء الآخر، أي آخر مختلف بالفكر والوعي والتعبير. وتعمل الفنون بتعدد مجالاتها جاهدة لخلق ثقافة تنويرية تخالف تلك الثقافة الظلامية، وتطمح لخلق مساحة تسهم بنبذ ذلك الخطاب الرافض للاختلاف.

من هنا، ومن هذه الرسالة الإنسانية السامية انطلق الفيلم المصري (الضيف) من إنتاج سنة 2019، من إخراج هادي الباجوري، وتأليف إبراهيم عيسى، بطولة خالد الصاوي، وأحمد مالك، وشيرين رضا، وجميلة عوض.

تتمحور أحداث الفيلم في إطار درامي، يحكي قصة اسرة تنويرية من أب مسلم متحرر وأم مسيحية وابنتهما الطالبة الجامعية، عائلة الدكتور يحيى حسين التيجاني وهو مؤلف وباحث ومفكر يدعو في كتاباته وأبحاثه الى تحليل الخطاب الديني على نحو يمتاز بالسلاسة والموضوعية، فيما يرمي سهام نقده اللاذع للثوابت الاجتماعية الزائفة المتوارثة من صُناع الفكر السلفي المتطرف، مما يجعله عرضة لتهديدات بالتصفية بسبب آرائه الجريئة. يحل على العائلة ضيف شاب متطرف بدعوى من زميلته الشابة التي تنجذب إليه وتحاول اقناع عائلتها به، إلا ان الضيف يخطط ويدرس امكانية اغتيال الدكتور يحيى التيجاني.

اعتمد المؤلف في كتابة العمل على دراسة وجهات النظر المتناقضة على نحو موضوعي حيادي من خلال الوقوف عند مصادر معتمدة، ليكتب صوراً ومشاهد مكثفة منطلقاً من حدث فرعي هامشي (زيارة الضيف لبيت حبيبته) ثم ينتقل بنا الى جملة احداث يشاكس فيها وعلى نحو جزئي العقل الجمعي ويخالفه.

اعتمد الفيلم في أغلب مشاهده على حوار مثير بين الفكر الليبرالي والفكر المتشدد، وأغلب الحوارات كانت بين الفنان خالد الصاوي الذي أجاد واحترف تمثيل دوره بإتقان عالٍ وربما يُعد دوره في هذا الفيلم واحداً من أهم الادوار التي مثلها في السينما المصرية، والفنان أحمد مالك، وهي حوارات مشدودة، عميقة، مؤثرة تعتمد النمط الايقاعي المشدود الذي يجذب المتلقي بوصفه يحمل الحجة والدليل. فقد تمكن المؤلف من منح شخصيات عمله أصواتها الخاصة وانفعالاتها الإنسانية وهو الأمر الذي أسهم في تعدد الاصوات داخل النص ليكون بيئة اجتماعية غير مصطنعة، وقد وظف المؤلف أدواته الابداعية كلها ليضع أمام المشاهد مجموعة رسائل مهمة من دون تشتيت الفكرة الأساسية، ومن بين تلك الرسائل امكانية التعايش بين الاديان على نحو عام وآلية التعايش بين المسلمين والاقباط في مصر على نحو خاص.

يسلط الفيلم الضوء على قضية الحجاب، وحقيقة وجوبه وحرية المرأة في ارتدائه.
فضلاً عن قدرة الوعي على استيعاب وتقبل الاختلاف والتعامل معه بوصفه وجهة نظر تخالف قناعة الآخر ولكنها لا تعتمد اقصائه، ونقتبس هنا حواراً موجزاً من المشاهد الأخيرة، فالمتطرف وهو يوجه سلاحه بوجه الدكتور: “أجمع العلماء على كفرك، لأنك تنكر أن الاسلام دين ودولة، وتطعن في الخلافة”، فيرد عليه الدكتور من خلف مكتبه والسلاح مصوب باتجاهه: “الاسلام دين، وليس دولة وهذا رأيي وان لم يعجبكم ردوا عليه، لا تكفرونني… أنا اكتب بقلم .. ترد عليّ بمسدس؟!، ارحموا الاسلام من تشويهكم”.

فيلم (الضيف) واحد من الأفلام العربية المهمة التي تستحق المشاهدة والانتباه، ربما لأنه صُنع على نحو احترافي متقن ومتكامل، كما انه يتناول قضية مفصلية مهمة لكل انسان.

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.