سماورد – السعودية
لكل زمن حكاية، ولكل مرحلة رواية، فالعالم يتغير ويتبدل، فما كان جديداً في زمن، سيكون شكلاً من أشكال التراث الماضي في زمن متقدم، فالصحف مثلاً باتت على المحك، لأن تتحول إلى مجرد ذكرى، خاصة وأن صحف كبرى كان لها صولات وجولات، توقفت وصارت إلى الماضي، فتعقيدات حياتنا والتغيرات التي تطرأ، كفيلة بسرد رواية ونسيانها، والبدء في حكاية جديدة.
فالناس بدأوا بالحكي لمعرفة أخبار العالم ولاكتساب المعرفة، وتنقلوا إلى الشعر والدراما، وبعدها الكتب والصحافة، ثم الإذاعات فالتلفزيون، وكانت ثمة مسافة زمنية بعيدة بين كل متغير وآخر، لكن مع ابتكار الانترنت، وسيطرة الشبكة العنكبوتية على كل مفاصل حياتنا، صارت المسافة بين التغيرات والتبدلات، مسافة قصيرة، فها هي وسائل التواصل الاجتماعي تتبدل وتتغير، يظهر تطبيق وينتهي، فكما انتهي الماسنجر والمنتديات التي كانت متسيدة، انتهى تطبيق مثل الباث path والفيسبوك ما عاد يغري الجيل الجديد خاصة جيل الألفية الثانية، وبات التويتر هو الحاضر والمسيطر، ورغم ظهور تطبيقات مثل الانستغرام والسناب شات، يظل اليوتيوب هو الأكثر حضوراً خاصة عند الأطفال الذين هجروا التلفزيون ومسلسلات الكرتون إلى المقاطع اليوتيوبة وتحول اليوتيوبرز (من يصنعون مقاطع اليوتيوب) إلى مؤثرين. لكن ثمة شكل جديد، نعم هو جديد على مستخدم الانترنت العربي، بات يتسع مدى تلقيه والمتعاملين معه كوسيلة معرفة وترفيه ومتعة، ألا وهو (البودكاست).
تعرف موسوعة ويكيبيديا البودكاست بأنه “التدوين الصوتي أو البث الصوتي أو البث الجيبي أو البودكاست بالإنجليزية: (Podcast) هو أحد وسائط الإعلام الجديد الرقمي ، وهو عبارة عن سلسلة وسائط متعددة او حلقات صوتية أو مرئية، يمكن الاشتراك بها أو متابعتها بحيث يتم تبليغ المشترك عند نشر أي تحديث” [1]، وبودكاست (podcast) الإنجليزية مؤلفة من كلمتين، (بود) وانتشرت كاختصار لجهاز الآيبود iPod وكلمة برودكاست Broadcast وتعني بث iPod + Broadcast = Podcast، ويعرف موقع بث كاست المتخصص كلمة البودكاست على أنها “البث ّ الصوتي، أو البث الجیبي أو التدوین الصوتي، وھو باختصار عبارة عن برنامج صوتي إذاعي، ینتجه أشخاص عادیون أو مؤسسات، ویطرح موضوعات متعددة في جوانب الحیاة والتعلیم والھوایات والسیاسة وغیرھا، وھو مسجل ومنشور على الإنترنت في سلسلة حلقات، بحیث یمكن للمستمعین الاشتراك فیه وتحمیل الحلقات الجدیدة عند صدورھا تلقائیا بمجرد الاتصال بالإنترنت”[2].
ظهر البودكاست لأول مرة في العام 2004، ولكن لم يكن هناك أي تطبيقات للبث إلا بعد إطلاق شركة أبل تطبيقها iTunes وهو ما ساعد على انتشار البودكاست وظهور قنوات جديدة تتزايد كل عام، وما زال الآيتونز هو المنصة الأولى للبودكاست حول العالم، رغم ظهور منصات أخرى مثل google podcast وSoundCloud وغيرها من المنصات المنتشرة في فضاء الانترنت.
الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الأولى التي ظهر فيها البودكاست، وما زالت الأولى على مستوى العالم في الاستماع لقنوات البودكاست عبر منصاته المختلفة، وهي الأولى أيضاً على مستوى الإنتاج، فحسب موقع podcastinsights.com ، فإن أكثر من 51% من سكان أمريكا يستمعون للبودكاست، وأن أكثر من 70% من سكان أمريكا يعرفون معنى كلمة (بودكاست)، وهذه النسبة عالية جداً مقارنة بمعرفة العرب لهذه الكلمة التي تبدو جديدة على مستخدمي الانترنت في الوطن العربي، الذي ظهر فيه البودكاست متأخراً، حيث بدأ حسب موقع www.arcast.fm في العام 2014 في مصر وانتشر في الأردن وشمال أفريقيا، وصار سائداً ومتداولاً، ويتزايد يوماً عن آخر. وحسب موقع البودكاست العربي فقد وصل عدد قنوات البودكاست العربية إلى أكثر من 647 قناة، ويبدو حسب المنحنى الذي نشرته بأن الفترة بين 2018 -2019 قد تزايدت أعداد القنوات بسبب انتباه الكثيرين لهذه التقنية فهي رواية هذه المرحلة. وقد قسم الموقع محتوى البودكاست العربي لعدد من الأقسام، وهي:
اجتماعي وحواري وتحتل أكبر عدد من البودكاست العربي حيث أن هناك ميل كبير من قبل منتجي البودكاست العرب للحوارات، والقسم الآخر التعليم والثقافة، أعمال، شخصي، عام، سينما وترفيه، تقنية، تطوير الذات، تقنية، ألعاب الكمبيوتر، رياضة، صحة وعافية، وأخبار وإعلام، وعلوم.
والسؤال هنا، لماذا البودكاست، وماذا يمكن أن تقدم لنا هذه القنوات، ما مدى القيمة المعرفية المكتسبة من الاستماع لهذه القنوات؟، ويمكن اختصار القيم التي يمكن أن نكتسبها من دقائق الاستماع للبودكاست بهذه المكتسبات التي حددها موقع أراكاست:
مصدر إلهام: هناك العديد من البودكاست هي قنوات إلهام، حيث تعرض التجارب الحياتية والمعرفية، في كل المجالات.
التعلم والإطلاع: هناك العديد من البودكاست يتناول معارف في كل المجالات، وقد يجد الراغب في التعلم ضالته في البودكاست خاصة في مجال التسويق وريادة الأعمال، وحتى في مجال الفنون والآداب.
النمو الشخصي والمهني: في عالم البودكاست، هناك عدد من القنوات المتخصصة في تطوير الذات يقدمها خبراء في التطوير والتدريب الشخصي. والاستماع لهذه البودكاست أكيد سيكون معرفة جديدة.
مصدر ترفيه: إذا رغبت في وقت للترفيه، فيمكن أن تجد ضالتك في البودكاست، فهناك قنوات كوميدية وموسيقية، وأخبار فنية.
تحسين واستثمار وقتك: تقود سيارتك لمسافة طويلة، أو أنك معتاد على ممارسة الرياضة، البودكاست وسيلة جيدة لاكتساب المعرفة وقضاء الوقت.
مناسب للذين لا يحبون القراءة: إذا كنت تبحث عن المعرفة ولا تحب القراءة، أو لا تملك وقتاً للقراءة، فإن البودكاست يتيح لك فرصة الاطلاع على الكتب والاستماع لها، فهناك عدد من البودكاست يعنى بالكتب والكتب المسموعة.
يمكن سماعه في أي وقت وأي مكان: ما يميز البودكاست، أنه يتيح لك الاستماع له في أي وقت وأينما تكون، في سيارتك، أثناء ممارسة الرياضة، في البيت أو المكتب، وهذا ما لا يمكن أن تتيحه لك قنوات اليوتيوب، وأيضاً كل منصات البودكاست تتيح لك تحميل المقاطع الصوتية والاستماع لها حتى ولو لم تكن متصلاً بالانترنت.
وما يميز عملية إنتاج البودكاست هو سهولة انتاجها، وقلة تكلفتها، بحيث يمكن لأي أحد أن ينتج بودكاسته الخاص في بيته دون الحاجة إلى أجهزة واستوديوهات مكلفة، فحتى الجوال الذي بين أيدينا يمكن أن يساعد في انتاج بودكاست. وهذا ما فعله الكثيرين ممن ينتجون البودكاست حول العالم. وإن كانت هناك مبادرات لتهيئة استوديوهات خاصة بإنتاج البودكاست متاحة للجميع في أكثر من بلد، ومنها المملكة العربية السعودية والامارات والأردن ومصر.
ولأن سماورد، مجلة تعنى بالثقافة والفنون والآداب، فإننا سنقدم لقارئنا بعض البودكاست العربية المعنية باهتمامات المجلة، وهي نماذج ليس إلا، وهذا لا يعني أن هناك قنوات بودكاست مميزة لم نذكرها هنا.
بودكاست فنجان: وهو البودكاست العربي الأول من حيث عدد المستمعين حسب موقع chartable.com حيث يحتل المرتبة الـ 111 عالمياً، وهو مختص بالحوارات مع مختصين في كل المجالات، فهو بودكاست شامل، يمكن لأي مهتم بأي مجال أن يجد في البودكاست ما يبحث عنه من معرفة ومتعة. والبودكاست واحد من سبعة برامج صوتية تنتجها شركة ثمانية التي أسسها عبد الرحمن أبو مالح وهو مقدم البودكاست والمشرف العام على بقية البودكاست، حيث تقدم الشركة لمتابعي البودكاست العرب، (تماس) وهو برنامج رياضي، و(أشياء غيرتنا) وهو برنامج يتناول ما تغير في حياة السعوديين اجتماعياً، و(أرباع)، و(أصوات) وهو برنامج إذاعي فريد من نوعه حيث يقدم حلقات وثائقية سمعية وقصص، و(المحور الثاني) وهو بودكاست اقتصادي، و(برق) وهو برنامج تقني يقدمه عبد الله السبع.
صوت: وهي منصة تأسست في العام 2016، وتبث عدد من البودكاست العربي المميزة والتي تحظى بنسبة استماع عالية، لاهتمام العالي من قبل المنصة لتنفيذ حلقات عالية الجودة. ومن البودكاست التي تنتجها المنصة، (المستجد) وهو بودكاست أخباري، و(حرر) وهو بودكاست عن قضايا الإعلام، (عيب) عن قضايا اجتماعية جدلية، (دم..تك) وهو برنامج موسيقي يتناول
أشكال الموسيقى خاصة العربية منها، وغيرها من البرامج البودكاست في المنصة.
أبجورة: وهو عبارة عن تدوينات صوتية تقدمها الروائية والصحافية السعودية لبنى الخميس، وكان قد البودكاست قد حصل على جائزة الإعلام الجديد في 2017، وتسعى الخميس عبر البودكاست “إلى نقل أفكار ملهمة لجمهورها عبر حلقات متنوعة، تروي فيها قراءات وتجارب ومعلومات ثرية، تربط فيها الماضي بالحاضر والشرق بالغرب”.
وهناك عدد من البودكاست المختصة بقراءة الكتب، والكتب المسموعة، ومراجعات الكتب، مثل بودكاست (المقهى) الذي يحاور فيه رائد العيد أصحاب الفكر والثقافة حول كتبهم والقضايا التي تطرحها، كما أن هناك عدة بودكاست متخصصة في السينما ومراجعة الأفلام والمسلسلات الأجنبية.
ولأهمية البودكاست في عالم اليوم، ولأنه رواية الزمن الذي نعيشه، فقد دخلت شبكات إخبارية عالمية هذا العالم، وحتى على المستوى العربي، فشبكة BBC ومونت كارلو والجزيرة لديها عدد من البرامج الإذاعية (البودكاست) المتوفرة على منصات الاستماع. لأنهم وعوا ما يمكن أن تقدمه منصات البودكاست وقدرتها على توسيع شريحة المتابعين لبرامجها.
ونحن في سماورد ولأننا ندرك أهمية هذا الشكل المعرفي، فقد أطلقنا قبل أشهر بودكاست اسمه (تشاكيل) وهو يعنى بالثقافة والفنون والآداب. حيث بدأ بتدوينات صوتية منوعة، ولكنه تحول إلى الشكل الحواري وقد تخصص في الحوارات مع مسرحيين عرب، حيث لوحظ غياب المسرح عن البودكاست ومنصاته. لذا ارتأت المجلة أن تخصص البودكاست ليكون منصة للمسرحيين. ويمكن الاستماع إلى البودكاست عبر عدد من المنصات مثل: الساوند كلاود، والآيتيونز كما يمكن الاستماع أيضاً عبر موقع البودكاست على الانترنت tashakeelcast.samaward.net.
وهنا دعوة لصناع المحتوى العرب لرفع مستوى المحتوى العربي الذي يقدمه البودكاست، فإطلاق بودكاست لا يكلف ويمكن لكل من يرغب أن يطلق قناته أن يسجل في البيت دون الحاجة لاستوديوهات، ومنصات استضافة البودكاست متاحة على الانترنت. ما نقوم به في المجلة، هو مساهمة مع غيرنا من منتجي البودكاست العرب لرفد المحتوى العربي على الانترنت الذي يعاني قصوراً يتجلى في نسب حضور اللغة العربية على الانترنت التي لم تتجاوز 0.6% من مجمل محتوى شبكة الانترنت.
المراجع:
[1] https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%AF%D9%88%D9%8A%D9%86_%D8%B5%D9%88%D8%AA%D9%8A
[2] http://www.bthcast.com/%d9%85%d8%a7-%d9%87%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%88%d8%af%d9%83%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%9f/