شربل روحانا: أتطلع للمشروع الذي لم أنفذه بعد
حاوره: عباس الحايك-سماورد
هو فنان ارتبط بالموسيقى فتحولت لديه ممارسة يومية، فأبدع، وصار له صوته الخاص، فالعارفون يميزون موسيقى شربل روحانا، الموسيقي اللبناني، الذي قدم مؤلفات موسيقية على مدى سنوات ارتباطه بالموسيقى أثبتت إبداعه، كما قدم تجربة غنائية (خطيرة) حققت شهرة كونها لامست قضايا إنسانية واجتماعية.
روحانا حاز على عدد من الجوائز على المستوى اللبناني والعالمي، وقدم حفلات موسيقية في عدد من الدول العربية والغربية. التقت سماورد مع الموسيقي الذي يتسم ببساطة التعامل على فنجان قهوة، في مكتبه الذي صدح منه صوت عزف عود، ودار حوار هذا نصه:
سماورد: نبدأ بسؤال تقليدي. ماذا تعني الموسيقى بالنسبة لك؟
شربل: الموسيقى مرتبطة بحياتي، يومياتي، بأحلامي. لن أغالي وأقول أنني أتنفس موسيقى، لكن الموسيقى هي جزء أساس من كياني، ولا أتخيل أني أكون غير موسيقي، يبدو الخيار صعباً خارج الموسيقى.
سماورد: من أين تخلق موسيقاك؟
شربل: هي عملية معقدة، ليست بتلك البساطة، وليست ثابتة. دائماً أشبه الوحي، بثقب دقيق جداً في كرة حديدية، وبعد تفتيش كبير، تجد هذا الثقب الذي أسميه الوحي، بعدها قد تضيعه، لأنه يغير مكانه، وتعيد التفتيش عنه مرة أخرى. بعض الأحيان يقرأ الواحد منا قصة، يسمع موسيقى، يلتقي بشخص، وأحياناً بدون كل هذا، تأتيه الفكرة، فيكون مثل القناص الذي يقتنص هذه الفكرة، فيستغلها اكبر استغلال.
سماورد: أين وصلت في مشروعك الموسيقي؟
شربل: إذا انطلقنا من المقولة أن أجمل الأفكار التي لم تكتب بعد، فنظل بحالة قلق واضطراب وتفتيش مستمر. فأكيد، أنا لا أجلد نفسي باستمرار، ولكني دائماً أتطلع إلى المشروع الذي لم أنفذه بعد، والذي ليس بالضرورة يكون واضح المعالم، فكل ما انتهيت من عمل أفكر مباشرة ما هو التالي؟!، فكأنه نوع من الطموح الذي يصل إلى الطمع بعض الأحيان، لكن ليس على الدوام يلبي الجسد والروح والفكر هذا الطموح. في فترة من حياتي، كنت أكتب بشكل يومي، عندما أكتب أقول أني سأكتب كثيرا إذا كنت سأكتب يوميا، ولكن الحياة فيها ما يمنع أن تمضي وراء أفكارك ففيها المسئوليات، فليست الحياة أن تعزف وتكتب فقط. فأنا ذهبت في مفرق، فكنت مشغولاً بآلة العود، ولكني ذهبت إلى الأغنية لأعبر عما يدور من أمور وقضايا ومشاكل. وعلامات الاستفهام هي من صلب حياتنا كبشر وكموسيقيين، علامات استفهام دائمة لا تنتهي.
سماورد: في تجربتك الغنائي (خطيرة)، هل صحيح أنك استعرت من تجربة زياد رحباني، أم أنك تضعها في سياق مغاير؟
شربل: على الصعيد اللبناني، وخصوصا بجيلنا نحن، وعينا على زياد بتجربته في السهل الممتنع، الشعبي البسيط المعبر كلاماً وموسيقى، أكيد أنا سمعت زياد رحباني كثيراً، لكني وأنا أكتب وألحن، لم أكن أفكر بزياد، بل أمضي إلى ما تأخذني إليه الأفكار، وليس هدفي تقليد زياد أو غيره. قد يكون هناك تقاطع أو تأثر وهو شيء طبيعي.
سماورد: مررت بمرحلة تعاون مع مارسيل خليفة، وعزفت معه على العود في عمله (جدل). ويمكن القول بأن بداية اتساع شهرتك كانت من هذه المرحلة. فكيف تقيم هذه المرحلة، وماذا أخذت منها؟
شربل: تجربتي مع مارسيل وفرقة الميادين تجربة طويلة، فقد غنيت معه وأنا في التاسعة من عمري، وقت كان في قريتنا عمشيت، كونه ابن خالتي. ولكننا افترقنا بسبب الحرب، وبدأت بدراسة العود، وكنت أحفظ كل أغانيه وأعزفها على العود صغيرا، ولاحقاً التقيت به في بيروت، وأسمعته إحدى المقطوعات التي ألفها، فتفاجأ بي، وبدأت علاقتي الموسيقية به منذ الثمانينات وحتى جدل في التسعينات، الذي كان تتويج لهذه العلاقة، فهو عمل مهم جداً، ورغم أنه لم يكن شعبياً من ناحية الانتشار، ولكنه نقطة تحول في مجال الكتابة لآلة العود، بغض النظر إن كان الناس تحب أم لا، ولكنه عمل له نكهته المختلفة عما سبقه، وما جاء بعده لا يشبهه، وكان محطة أساسية تأثرنا بها كمؤلفين وعازفين.
سماورد: كيف تولد هذه التوليفة الفريدة في مقطوعاتك بين الموسيقى الشرقية بمقاماتها وآلاتها، وبين الموسيقى الغربية؟
شربل: من ذائقتي الشخصية، فبعد أن أكون قد تشربت وسمعت الأعمال العالمية والشرقية، مع أني لا أحب تصنيف الموسيقى، فالموسيقى لغة عالمية، وقد تكون هذه الموسيقى تنتمي لهذه المكان، رغم ما شابه من مطبات، وهو في النهاية مخزون ممتلئ من شتى المصادر.
سماورد: درّست الموسيقى أكاديميا، فهل تمارس هذه الأكاديمية في اشتغالاتك الموسيقية الإبداعية؟
’’أحب اختيار العناوين، وهي تأخذ مني وقتاً كبيراً، وأفضل أن يكون الاسم ملفتاً، فأنا اعصر أفكاري حتى اصل إلى عنوان لافت’’
شربل: أنا صار لي فترة طويلة كنت بالمجال الأكاديمي قبل تركه، فقد كنت أًدرّس الموسيقى، وطريقة التعامل بالأكاديمية يجب أن تكون مختلفة عن مشروعي الخاص، الأكاديمية لا يمكنني فيها أن اشطح بأفكاري، فأكون منضبطاً. فأنا الأكاديمي في المعهد، ولكن حين أكتب لشربل روحانا، فانا أتفلت من أي ضغط أكاديمي، ولكن لا يمكن ان أنفصل عن ذاتي، ولكن الأكاديمية تفيد في طريقة التنظيم والتسجيل، وآخذ منها ما يتناسب مع مشروعي.
سماورد: (مزاج علني)، (سلامات)، (والعكس صحيح)، (همزة وصل)، (شغل بيت).. وغيرها. ما حكاية عناوين اسطواناتك اللافتة؟
شربل: أحب اختيار العناوين، وهي تأخذ مني وقتاً كبيراً، وأفضل أن يكون الاسم ملفتاً، فأنا اعصر أفكاري حتى اصل إلى عنوان لافت، فمثله مثل التفتيش عن الأسماء الجميلة. ومن الضرورة أن يكون الاسم يتناسب مع روح العمل.
سماورد: عن اسطوانتك الأخيرة (دوزان)، يقول مارسيل خليفة “اليوم يأتي شربل بدوزنته لإيجاد صوته الخاص، والانحناء طويلا إلى الصوت العام”.هل وجدت صوتك الخاص الذي يميزك عن الموسيقيين العرب؟
شربل: أمنيتي أن ألاقي صوتي الخاص، مثلي مثل الجميع الذين يبحثون عن قلمهم أو صوتهم، ولكن هذا رأي المستمعين أو المختصين، فمنهم من يقول أننا نعرفك من نقرة العود. أنا أسعى، ولكن بدون شكل واعي فيخرج هذا الصوت الخاص، وهذا يحتاج إلى وقت طويل من التجربة.
سماورد: ألفت مقطوعات لعدد من المسلسلات التلفزيونية. هل يتدخل السيناريو في عملك على هذه الموسيقى؟، وهل وجدت ما يستحق في هذه التجربة؟
شربل: بعض الأحيان يطلب مني أن أكتب مقطوعة تصويرية فالواجب أن أطلع على قصة المسلسل، ولكني أطلع على المضمون العام للمسلسل إذا لحنت الجرنيك (المقدمة)، فليس المطلوب مني أن ألاحق الخطوة والتفصيل، فالجملة الموسيقية تكون أوسع من الكلمة.
ولم تأخذ هذا التجربة مني الوقت الكثير، ولكن الجميل أن أعمل مع كركلا مثلا موسيقى مسرحياتهم.
سماورد: يميل الجمهور العربي عامة إلى الكلمة المغناة أكثر من الموسيقى. ما دوركم أنتم كموسيقيين لتغيير هذه الذائقة؟
شربل: شخصياً، أنا مع التجربة الموسيقية والغنائية، فكان لي تجربة اسطوانة (خطيرة) وهو عمل غنائي، وفي نفس الوقت أدافع عن الموسيقى والتأليف الموسيقي، لا احب الفصل في النظرة للتعبير الفني، فيمكن التعبير بالموسيقى أو التعبير بالغناء، وعلى المستوى الشخصي أحلم أن أكتب مقطوعات أكثر، وقد ساهمت كثير من الأسماء في انتشار الموسيقى وفرضوها بقوة موسيقاهم مثل، منير بشير، نصير شمة، سيمون شاهين.
الوقت الحاضر أفضل من ذي قبل، فيمكنك أن تقدم موسيقى وحدها، صحيح أن السوق تسيطر عليها الأعمال الغنائية التي تتنافس الشركات عليها، فعملي (خطيرة) مثلا لم تتلقفه شركة أنتاج، لأنه في إطار الموسيقى وإطار تجربتي، وأنا أضع المسئولية على الجهات الثقافية، التي لا تدعم. والجميل أن تصدم الجمهور الذي يرتجي سماع أغنية بحفلة من عودين كما في حفلات (دوزن)، وهي صدمة إيجابية قد لا تتحصل على ثمارها الآن ولكن في المستقبل، وأنا لست متعصباً للموسيقى وحدها، فأنا استمتع قبل أن أمتع، وقد يكون عملي الجديد غنائي.
لدي مشروعان، الأول هو إعادة النظر في منهج العود الذي كتبته في الـ 95 بشكل تكون الوسائل المعتمدة التي توصل المعلومة للطلاب بحيث تكون سلسة أكثر، ويمكنني الاستفادة من تجربة التدريس، ويمكن استخدام الوجه البصري فيه عبر الدي في دي، وإن يكن هذا المشروع يحتاج لنوع من التفرغ، والمشروع الآخر غنائي.
مواليد 1965، موسيقي لبناني، حاصل على دبلوم في آلة العود من جامعة الروح القدس1986، وماجستير في العلوم الموسيقية من نفس الجامعة1987. عمل أستاذ لآلة العود في المعهد الوطني العالي للموسيقى – الكونسرفتوار، وفي معهد العلوم الموسيقية بجامعة الروح القدس. كما إنه معد منهج آلة العود المعتمد حالياً في المعهد الوطني العالي للموسيقى وفي جامعة الروح القدس.
أعماله الموسيقية:
- دوزان – دويتو عود مع ايلي خوري 2010.
- شغل بيت 2008.
- خطيرة 2006.
- والعكس صحيح 2003.
- كي لا ننسى 2001.
- مزاج علني 2000.
- مدى 1998.
- سلامات 1997.
- ذكرى 1993.
جوائزه:
- جائز على جائزة موسيقى العام 2000 من قبل نادي الليونز اللبناني.
- حائز على الجائزة الأولى في التأليف ضمن مسابقة هيراياما – اليابان في العام 1990 عن نشيد السلام .
أبرز حفلاته ومشاركاته:
- حفلة، قلعة دمشق، سوريا2009.
- حفلة اليونيسكو , ضمن احتفالية الفرانكفونية، بيروت2009.
- المدرج الروماني،
- جبلة، سوريا 2008.
- ملتقى العود، مهرجان جرش ،الأردن 2006 .
- ورشة عمل وعزف منفرد في دار الأوبرا، القاهرة، مصر2003.
- أمسية من تنظيم النادي اللبناني، براغ ، جمهورية تشيكيا 2002.
- ملتقى العود، تسالونيكي، اليونان 2002.
- مشاركة في حفل افتتاح القمة الفرنكوفونية التاسعة، بيروت 2002 .
- الأسبوع اللبناني، كاهور، فرنسا2002
- أمسية موسيقية، فيمار، ألمانيا 2002. موسيقى بلا حدود، دبي، بالمشاركة مع الفنانين العالميين زاكيرا حسين (طبلة)، هارييرازاد شورازيا (ناي هندي)، جورج بروكس (ساكسوفون) ولاري كوريال (غيتار).
- المهرجان العاشر للوجوه الفرنكوفونية ، باريس، فرنسا 2002.
- مهرجان العود الثاني، تطوان، المغرب 2002.
- مهرجان بلفور،فرنسا 1999.
- شارك شربل روحانا في التأليف الموسيقي لأعمال الفنان عبد الحليم كركلا: الفا ليلة وليلة (2000)، بليلة قمر (1999)، الأندلس المجد الضائع (1997) واليسار ملكة قرطاج (1995).