شعراء راية أم جماهير راية

0 613

هادي رسول – السعودية

ثمة شعراء سخّروا تجربتهم في صياغة مواقفهم السياسية والفكرية والأيدلوجية شعرًا مباشرًا. هؤلاء الشعراء هم أقرب للعمل الفكري من كونهم شعراء مخلصين للشعر بما هو تجربة إبداعية.

لا يمكن نفي الشعر عنهم بالمطلق فذلك إجحاف بتاريخ مرحلة شاء القدر لهم أن يرفعوا فيها راية فكرية أو سياسية بإخلاص دون غيرهم باستخدامهم الشعر أداة ووسيلة لا غاية إبداعية أو رؤيا فنية. لذلك لم يستطيعوا أن يخلصوا للشعر بما هو تجربة إبداعية خالصة. فكانت نصوصهم تشبه البيانات الأيدلوجية أو السياسية في قوالب نظمية لها شكل الشعر دون أن تفجّر حيوية اللغة وطاقتها البلاغية على مستوى عال.

هم شعراء راية أيدلوجية لا شعراء “متاهة إنسانية أو خبرة روحية” حسب رؤية الشاعر والناقد الراحل فوزي كريم في كتابه (شاعر المتاهة وشاعر الراية : الشعر وجذور الكراهية)

و لعلّ أهم ملمحين يميزان شاعر الراية حسب فوزي كريم:

١- الإيحاء بوفرة الأعداء و ضرورة التصدي لهم.

٢- العقيدة الأيدلوجية جزء من الكيان الشعري للشاعر.

مقلق ربما .. أن يتم ترسيخ اللاوعي حين يرحل أحد هؤلاء الشعراء عن ضفّة الحياة، بتكثيف صوت النعاة له، بالتأثيرعلى وعي المتلقي بالاتجاه نحو القصيدة المسؤولة.. أو بتعبير آخر القصيدة الملتزمة.. أي القصيدة التي تلتزم موقفًا سياسيًا أو أيدلوجيًا محضًا وتقدّمه في شكل شعري ترتفع فيه النبرة الفكرية أو الحالة السياسية على حساب التجربة الروحية للشاعر وإمكانات اللغة والرؤيا الفنية والإبداعية.

لا يمكن تبرئة الشاعر -أي شاعر- من موقفه السياسي أو الديني أو الأيدلوجي مطلقًا… وإني أظن ذلك شبه مستحيل، فما الرؤيا الشعرية إلا “موقف فكري للشاعر” كما يعبّر الدكتور علي جعفر العلاق في كتابه (الشعر والتلقي). هذه الرؤيا موقف فكري من الواقع و الحياة والوجود. لكنها لا تنفك عن عوالم الشاعر الروحية وخبرته الداخلية التي تعتمل في ذاته وتنصهر في تجربته الوجدانية.

يظلّ هؤلاء الشعراء -شعراء الراية- الذين امتطوا الشعر كأداة، مؤطرون بإطار الترويج لراياتهم العقائدية أو الأيدلوجية أو موقفهم السياسي المباشر ..  بحيث تساهم تجربتهم في التأثير على وعي المتلقي المتفاعل مع هذه الرايات دون سواه، في إطارها الذي تكرّس تجربتها فيه، أكثر من كونها تساهم في تشكيل صناعة وعي شعري إبداعي.

تتباين وتختلف هذه الرايات.. لكنها تنتظر أصداءها في قلوب الجمهور المسيّس أو المؤدلج بمفاهيم هذه الرايات لا بمفاهيم الشعر و اللغة .

تلحّ عليّ هذه الهواجس في سؤال قلق مشحون بالارتياب. هل حين نبجّل أحد هؤلاء الشعراء، فهل نبجّل موقفه الأيدلوجي المنصهرون معه والمندغمون فيه؟ و ليس مهمًا لنا كجمهور موقفه الإبداعي؟

هل نحن جماهير راية لا جماهير شعر أيضًا؟

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.