المفكر الكبير الاستثنائي الذي أتمنى أن أدخل حديقته

0 196

إبراهيم عبد المجيد – مصر

للأسف لم ألتقِ بالمفكر نادر كاظم؛ بل أعترف أن معرفتي بأعماله جاءت متأخرة؛ لأني تقريبا منذ سنوات خمس حبيس آلامي الصحية وقراءاتي قليلة، وكنت مهموما بالانتهاء من أكثر من رواية، فضلا عن محاولة جمع مقالاتي لطبعها قبل الرحيل الذي كان يخايلني ويقف أمامي. لكن حدث أني قرأت له مقالا في جريدة المصري اليوم يتحدث فيه عن امتنانه لاستعارته عنوان روايتي “لا أحد ينام في الإسكندرية” لكتابه “لا أحد ينام في المنامة”. كان المقال بالنسبة لي أجمل وأنبل إشارة إلى أنه في الدنيا عظماء ونبلاء. أثنيت على المقال في السوشيال ميديا، والبعض طبعا كالعادة قالوا أو كتبوا تغريدات أن العنوان لي، فقلت لهم العنوان أصلا من قصيدة لفيديريكو جارثيا لوركا الشاعر الإسباني العظيم وهو يرثي دمار إحدى المدن الإسبانية، مدينة جورنيكا، بالطائرات النازية أيام الحرب الأهلية الإسبانية قبل الحرب العالمية الثانية التي انضم فيها هتلر للجنرال فرانكو والمحافظين ضد اليسار بكل تياراته. القصيدة تقول “لا أحد ينام في العالم.. لا أحد ينام في السماء.. إلخ” وأني ذكرت ذلك في روايتي، بل ذكرت مقطعا من القصيدة في بداية أحد فصول الرواية. بعدها انشغلت لثلاثة أسباب عن قراءة الكثيرين. فقط كتاب “لا أحد ينام في المنامة” هو الذي ساعدتني الظروف على اقتنائه عن طريق ابني من أحد المعارض. الأسباب الثلاثة التى شغلتني عن القراءة هي: المرض، والانعكاف على كتابة رواية، وعدم وجود شبكة انترنت كافية للاتصال بالآخرين، فضلا عن عدم قدرتي بسبب ضعف النظر على قراءة أعمال متوفرة الكترونيا. كتاب ” لا أحد ينام في المنامة” لا يحتاج مني إلى شهادة عن عمق البحث وعمق التأمل والدراسة للأرشيفات والخرائط وكتب الرحالة والتراث الشفاهي للناس ليضع المنامة كذاكرة وتاريخ في عيون الجميع مهما طال الزمن. تاريخ شامل للمكان ليس فقط بلغة بحثية عميقة، لكن بلغة تصل إلى الروح مع العقل. المنامة تاريخ هو البحرين ذاتها وأيضا الخليج العربي. التحولات التي شهدتها المدينة جهد جبار ليقيمها ويقيم البحرين علامة أو هرما في الفضاء. عرفت بكتبه الأخرى مثل “الهوية والسرد” و”استعمالات الذاكرة” و”كراهيات منفلتة” و”عبد الله الغذامي والممارسة النقدية والثقافية” وغيرها مما يحمل عناوين مثيرة للعقل، ومما يؤكد المعرفة بكل جوانبها الفسلفية والأدبية والنفسية والاجتماعية. ومما قرأته عنها عرفت مرجعياته العلمية التي لا يتباهي بها، بل يجسدها فكرا طال انتظاره منا نحن المثقفين، فما بالك بالقراء العاديين الذين سيجدون فكرا غير منحاز لأي تيار غير العقل والبحث مجردا عن أي شبهة انتماء إلا للعقل نفسه. لن أعيد الحديث عما شغلني عن متابعة القراءة وخاصة في العامين الأخيرين من أوضاع صحية أدت إلى فقدي عشرين كيلوجرام من شحمي ولحمي راحت معها الذاكرة حتى خُيِّل لي أن جزءا من مخي سقط معها بما يحمل من أفكار، لكن صحوت مندهشا علي نبأ توقيفه واعتقاله في يوم الخميس 21 من يوليو الماضي، وكنت من المناصرين له؛ لأني شعرت أن الأمر مواكب لإبعاد الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار عن العمل بسبب موقفها من التطبيع، وهي السيدة التي قدمت للبحرين أقصي درجات الجمال في الثقافة والآثار، ودائما كانت ولا زالت محل إعجاب واحترام كل المثقفين الكبار في عالمنا العربي . قيل أن ذلك تم لأنه قريب منها، ولأنها تبنت كتاباته وطبعت عددا منها في دور نشر تترأسها. قيل لأنه كتب عن المعنى الضائع للمواطنة في مقال قديم له وغير ذلك، لكن ما سألته أنا كيف للبحرين أن تفعل ذلك مع مفكر كبير مثل نادر كاظم بعيد عن السياسة الساذجة يكتب في الموضوعات الإنسانية الكبرى، وحين كتب عن البحرين أقام هرما لها وسط البحار والأمواج. وكيف لمن تشجعت الشيخة ميّ المثقفة والإنسانة العظيمة لنشر أعماله يتم معه ذلك بينما هي تعرف أن أعماله وتشجيعها له ولها قيمة حقيقية وفخر للبحرين، وأضيف أنا وللأمة العربية. لقد وصل أمر الحاقدين والموالين للحكم، وهؤلاء في كل الدنيا وبالذات في عالمنا العربي، أن طالبوا بإعدامه.  لكن لم يهتم بهم أحد، وانتهت الأزمة بسرعة الحمد لله وعادت طلته الجميلة علينا وعلى العالم كله. ويظل حلمي السائر معي أن استطيع في معرض القاهرة القادم للكتاب أن أجد كتبه في مصر وأحصل على بعضها، وأنا علي يقين أني سأعيش معها أجمل الأيام، وستعيد لعقلي القدرة على الاستيعاب، وخاصة كتب مثل “الهوية والسرد” و”خارج الجماعة” و”كراهيات منفلتة “.  خالص الأمنيات الطيبة لمفكرنا النبيل.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.