تمثال
علي وهبي – لبنان
كثيرون مرّوا بالقرب منه، وكعادة الذّاهبين إلى أعمالهم أو العائدين منها لم ينتبهْ أحدٌ إليه.
السّيّاراتُ العابرةُ تزعجهُ بأبواقها، وتشتركُ مع بقيةِ الآليات السّيّارة في خنقه بعوادمها.
كنتُ أمشي قرب حرش بيروت مسافتي المعتادة يوميًّا، كما طلبتْ مني اختصاصيّة التّغذية، ولكنّني فضّلتُ الانتقالَ إلى شارعٍ لا زحمةَ متريّضين فيه. انعطفتُ إلى اليمينِ، نحو جادّةِ سامي الصّلح، وأكملتُ سيري، وأنا أفكِّرُ في نَصٍّ قيدِ الكتابةِ، ولا يكتمل تفكيري إلّا إذا شاركني طيفكِ فيه. وصلتُ إلى قصرِ العدلِ، فأكملتُ يسارًا باتِّجاه المتحف. وما إنْ تجاوزتُ بيتَ المحامي، الَّذِي كانتْ أنوارُهُ المنطفئةُ توحي بحزنِ العدل، لمحتُ تمثالًا رأسيًّا. تقدّمتُ إليه وصوتي الدّاخلي ينصحني بالتّعرّفِ على قاضٍ أو رَجلِ سياسيةٍ كانَ يعرفُ قيمةَ الوطن.
لم أرَ الاسمَ بوضوحٍ؛ فالغبارُ – حين أنهكه الرحيلُ – حطَّ رحالَهُ على الاسمِ. وضوء المساء غير جيّدٍ للقراءةِ، استعنتُ بقارورةِ الماء الَّتِي أحملُ، صببتُ عليه، وددتُ لو أنني أطول كي أبلغ فمه؛ فلعلّه عطشان. مسحتُ الرّخامةَ البيضاء الَّتِي نُحِتَ عليها بيتا شِعرٍ.
تجازوتُ السّلسلةَ الحديديّة التي تحاصره مِن جهاته الأربع، ورششتُ الماء كي يتّضحَ لي اسمُهُ فأقرأهُ، ومددتُ يدي بمنديلٍ ورقيٍّ وغايتي تنظيفه، لمعَ الاسمُ الذّهبيُّ اللّونِ.
دهشتُ؛ تراجعتُ إلى الوراءِ كي أصوّره بلوحي الرّقمي؛ ما استطعتُ التقاطَ صورةٍ جيّدة في الظّلام.
نظرتُ إلى الأعلى، كي أرى وجهَهُ. هل ارتسمتْ على ملامحِهِ ابتسامةٌ، إذْ لمعَ اسمُهُ.
تراءى لي رأسُهُ بين الأغصانِ المتشابكةِ. رمشتْ عيناه من بين أوراقها؛ وشفتاه …. عفوًا صوتُهُ كانَ حادًّا، سمعتُهُ يسألُني: “كيف أبتسمُ وطواحين بيروت لا تدور؟!”
السّيّارات ما زالتْ تعبرُ غير مهتمّةٍ.
راقني جداً اسلوب السرد في هذه الأقصوصة. فقد شعرتُ بنبضات قلبكَ وأنتَ تستكشف صاحب التمثال. وحبستُ انفاسي معك الى أن وصلتَ الى النهاية.
كالمعتاد علي أسلوب خفيف الروح وبلاغة انسيابية في التعبير.
شرّفني تعليقكِ أستاذتي الفاضلة لينا