الصيدلانية القاصة

روعة سنبل: أعشق جداً قدرة بعض حكايات الأطفال على جمع الدهشة والبساطة معاً

0 1٬559

سماورد

بدأت الصيدلانية القاصة السورية روعة سنبل، شغفها بالحكايات منذ طفولتها، فقد كانت محاطة بنساء حكّاءات، “خالات أمي، وجدّتها العجوز، ومن بعدهما جدتي وأمي وخالاتي، كلهن نسوة يتقنّ رواية الحكايات، حكايات عتيقة شعبية، ترافقها غالباً أغانٍ وأهازيج، تقولها الحكّاءة، ونرددها نحن الأطفال خلفها. نتحلق حول إحداهن، وتحكي هي بينما يداها مشغولتان بشيء من أعمال المنزل، تحضير مؤونة، أو إعداد الخضار من أجل طبخة، أو رتق جورب، أو نسج صوف، تربيت بين هؤلاء النساء اللواتي لا تفتر ألسنتهن ولا أيديهن”، لذلك اختارت القصة القصيرة، لأنها كما تقول تراه “فن مشاكس، يمنح القارئ ثقة كبيرة ويلاعبه في نفس الوقت، أعني: يمنحه ثقة حين يترك له كثيراً من المساحات ليتخيلها هو، يحدث هذا بسبب طبيعتها الموجزة، ويلاعبه لأن النص يغطي مساحة معينة فقط، بينما يبقى ما قبله وما بعده مساحات مفتوحة للقارئ على كل الاحتمالات”، واختارت القصة القصيرة في ذات الوقت لأنها الشكل الوحيد من أشكال السرد الذي يمنح كاتبه القدرة على القول، قول الكثير. حتى حين يصمت.

درست روعة سنبل الصيدلة، وتجد أن التشابه بين القصة والصيدلية في أن “التفاعلات الكيميائية عمود من أعمدة الصيدلة، ومن بين آليات خلق الفنون السردية المختلفة، أزعم أنّ كتابة القصة القصيرة هي الأقرب لآلية التفاعل الكيميائي، إذ يقتضي خلقها دقة شديدة، أكتب القصة القصيرة وأنا أعي جيداً أن كل شيء فيها بمقدار، والكلمة الواحدة قد تصنع فرقاً، ولن أبالغ إن قلت أن علامة الترقيم تصنع فرقاً أيضاً”، هنا تقرأ روعة العلاقة بين الصيدلة والقصة، وتضيف في حديثها عن الصيدلة، بأن دراستها وهبتها الدقة والصبر، فالوقوف طويلاً ولساعات في المختبر “وأنت تنتظر برويّة قطرة واحدة تهطل من كاشف ما على محلول فتقلب لونه، وتكون هذه هي الطريقة الوحيدة ليصبح المحلول المجهول معلوماً، ستعرف حتماً حينها أن قطرة واحدة قد تبدّل الكثير، وأن لحظة غفلة واحدة قد تضيّع كل شيء. الدقة والصبر خصلتان التصقتا بي، ليس فقط ككاتبة، بل حتى كربة منزل، فأنا أعجز مثلاً حتى بعد عشر سنوات من الزواج، على إنجاز طبق طعام واحد، دون مقادير دقيقة، ودون طريقة تحضير واضحة مفتوحة أمامي في دفتر الطهي”. وممارسة القاصة والأم لطفلتين، لمهنة الصيدلة، قد قدمت لها ككاتبة الكثير. فالصيدلة قدمت لها احتكاكاً ذا طبيعة إنسانية عميقة مع الناس، فالمرضى يحتاجون لمن ينصت لهم، ويعبأ بأوجاعهم، “علّمني عملي في الصيدلية أن أنصت وأن أهتم، وأعتقد أن هذين الأمرين مهمان جداً للكاتب أيضاً”. وفي المقابل، فقد أخذت منها الصيدلة دراسة وممارسة التفرغ للكتابة، والذي تعده الشغف الحقيقي لها، انهمكت في وظيفتها كصيدلانية، فتأخر إصدارها لأول مجموعة قصصية، والتي أصدرتها وهي ذات 37 عاماً “وهو أمر يحزنني، وأعزي نفسي بأن أتمنى أن يكون هذا التأخر ربما منح تجربتي درجة من النضج”. وتوالت الاصدارات بعدها، حيث صدر لها بعد مجموعتها الأولى (صياد الألسنة) التي صدرت عن دائرة الثقافة في الشارقة في العام 2017، مجموعتها الثانية (زوجة تنين أخضر وحكايات ملونة أخرى) عن دار الآن ناشرون وموزعون الأردنية، إضافة لذلك فقد طرقت روعة سنبل أبواب النص المسرحي، بل دخلتها، حيث كانت لها عدد من التجارب، ومنها نص طبع بشكل مشترك ضمن كتاب مشترك من إصدارات دار راشد، دائرة الثقافة في الفجيرة.

يقال أن الزمن لم يعد زمن القصة القصيرة، وأن لا مكان لها وأنها إلى زوال، فهل تتفق القاصة روعة سنبل مع هذا القول؟، “لا أوافق على هذا الكلام إطلاقاً. نعم، الرواية الآن في الصدارة، لأسباب كثيرة، لكن القصة فن باق لا يزول. الحياة نفسها حبلى بالقصص القصيرة، لكننا فقط نحتاج أن ننتبه ونقرأ”.

وأنت تقرأ نصوصها القصصية، تجد طفلة لم تكبر بعد، طفلة تستحضر حكايات الأطفال، الحكايات المألوفة لدينا، لكنها تكتبها بطريقتها الخاصة، تجترح بدايات ونهايات وتغير الأحداث، تشاغب شخصيات القصص، فتتولد لنا قصصاً ممتعة، وقصصاً عميقة تملك دلالتها، سألتها لم حكايات الأطفال العالمية تبدو حاضرة في قصصها، فأجابت: “ربّما لأنّني أقضي أغلب أوقاتي مع طفلتيّ، أو ربما لأنني أعشق جداً قدرة بعض حكايات الأطفال على جمع الدهشة والبساطة معاً، وأخيراً، ولن أقول ربما هذه المرة، لأنني أدرك تماماً كم تستهويني مسألة تغير الحكاية بتغير زاوية الرؤيا، وكذلك مسألة تحرير الشخصيات الراسخة من إطاراتها، ومساعدتها لتخرج وتغامر وتختار مصائر مغايرة”، هكذا إذا تعجن هذه القصص وتعيد تشكيلها مرة أخرى بروح جديدة، تشبها روحها.

حصلت روعة سنبل على عدد من الجوائز الأدبية، منها المركز الأول في جائزة الشارقة للإبداع العربي، عن فئة القصة القصيرة، لدورتها العشرين عام 2017 ، عن مجموعة قصصيّة بعنوان (صياد الألسنة)، ووصل نصها المسرحي (أعشاش) للقائمة القصيرة لجائزة راشد بن حمد الشرقي، في فئة المسرح عام 2019، والجوائز بالتأكيد ليست الغاية الأولى للكاتب أو المبدع، لكنها تعني الكثير له، فماذا تعني الجوائز لروعة سنبل؟، سألتها فأجابت: “تعني لي بالطبع، فهي مصابيح كشّاف يتم تسليطها بين الحين والآخر على درب الكاتب، غيابها لا يعني فشلاً، ووفرتها لا تعني شهادة جودة.

يكفيني أن الجوائز عرّفتني على أصدقاء كثيرين من الكتّاب، وعلى تجاربهم، وعرّفت بعض القرّاء عليّ، ونقلت تجربتي من المحلية إلى العربية نوعاً ما”.

وحين سألتها عن طموحاتها وكيف ترى نفسها بعد سنوات، كان جوابها: “طموحاتي أن أكتب، وأكتب، وأكتب.. أن أفعل هذا كما يحلو لي أنا، وأن أملك الجرأة الكافية لقول كل الأشياء التي أرغب في قولها”، وتضيف “أطمح أن أقدم شيئاً فارقاً للقصة السورية على وجه التحديد، وفاء لأسماء كبيرة هنا في سوريا من الأجيال السابقة، أسماء قدمت الكثير للقصة العربية، أطمح أن أجتهد، عسى أن أستحق هذا يوماً”، وهي لا تفكر كثيراً في كيف ستكون بعد سنوات، خاصة وأننا التقيناها والعالم يمر بجائحة كورونا التي أوقفت كل مشاريع، أياً كان نوعها، وجعلت الناس في عزلة، يعيشون بالقلق والهواجس. فأكثر ما تتمناها الآن “فقط أن أراني والجميع بعد أسابيع، أو شهور في أسوأ الأحوال، وقد انزاح هذا الكابوس”.

للتواصل مع القاصة:

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.