أن يتمسك بحلمه أو وهمه الجميل
خلود الفلاح – ليبيا
الاثنتان صديقتان، الصحفية والشاعرة، لا يتخاصمان، وإن كان في بعض المرات لابد من وقوف الشاعرة جانبًا، خاصة إذا كان الموضوع الصحفي الذي أعده لا يتطلب لغة شعرية، كأن يكون تحقيق صحفي عن الانتخابات الليبية، أو عن الهجرة غير الشرعية؛ هنا لابد أن تتكلم الأرقام وبشاعة الواقع.
في الشعر اختزال الفكرة في عدد قليل من الكمات، وفي الصحافة لا بد أن يُعطى الموضوع مساحته التي قد تتجاوز الألف كلمة. عند هذه النقطة تحديدا يحدث الصراع بين الصحافة والشعر.
الصحافة لم تعد مهنتي فقط التي اتقاضى منها مرتبًا للعيش، بل هي تمارين يومية على الكتابة واكتشاف الأشياء، أخذ الشعر بعض أفكارها التي جاءت على شكل نص شعري.
في البداية كانت الصحافة ـ باعتبارها مجال الدراسة وأيضا لعلاقتي بالكتب والمجلات والجرائد منذ الصغر. وفي رحلة البحث عن عمل، بعد التخرج، صممت مجلة اسميتها (فنون) منوعة تحتوي أخبارًا ومقالات مصحوبة بصور أخذتها من مجلات مختلفة، كانت بمقاس صفحة (A4). كانت فكرة جميلة يدوية، أصدرت عددًا واحدًا فقط. وفي تلك الفترة أنجزت كتابًا اعتقدت أنه قريب من الشعر صنفته للأغاني التي أحب سماعها، أكتب فيه كلمات الأغنية مع صور مرافقة لها. كنت أحب تجميع قصاصات الموضوعات التي تعجبني في المجلات والصحف وأنجز منها كتابًا.
وللأسف كل هذه الذكريات ضاعت في تنقلنا من بيت لأخر، ومن هنا – من هذه الذكريات- أخذ اهتمامي يكبر، ومن هذه الأرضية التي سمحت للشعر بالإعلان عن نفسه بإصدار ثلاثة دواوين آخرها في العام 2015، كتبته في مدينتي بنغازي تحت أصوات القنابل والخوف والانقطاع الطويل للكهرباء.
في مرات كثيرة يتوه مني الشعر وقد لا اكتب نصا لشهور طويلة لأن الصحافة تأخذني بقوة، تعلمت منها الالتزام بالمواعيد، والاعتداد بالنفس. أنا أنتمي للصحافة والشعر.
الشاعر والصحفي حالمان أو واهمان؛ وينبغي على أي إنسان أن يؤمن بأن ما يفعله هو أهم شيء في الحياة، وعليه أن يتمسك بحلمه أو وهمه الجميل، وهذا ما حدث عندما قررت إصدار جريدة تعنى بالشأن الروائي سميتها (الرواية) في العام 2011 ، في الوقت الذي كانت كل الجرائد الصادرة في تلك الفترة لا تكتب إلا عن الربيع العربي، تمسكت بهذا الحلم اللذيذ بدون مقر رسمي وموظفين، فقط مكوناتها غرفتي وجهاز محمول، وأخي يتولى مهمة إرسال الفلاش للمطبعة وبعد ذلك استلام العدد وإيصاله للموزع، كنت أمر على المكتبات كلما جاءتني الفرصة وأنظر للعدد وابتسم؛ كان حلمًا/وهمًا شاعريًا في لبوس صحفي. وللأسف توقفت (الرواية) لأنني لم أتمكن من تحمل تكاليف الطباعة، وطبعًا الآمال كبيرة لإعادة إصدارها ولا شيء تحقق.