الشعر يسمو بكل ممكن نحو مداه الأقصى

0 188

محمد ناصرالدين – لبنان

أظن أن الصحافة تضرّ بالشعر، وهما لا يمتزجان إلا امتزاج الماء بالزيت. الشعر أقرب للمطلق، والصحافة هي فنّ العابر واليومي؛ الشعر من عالم الغيب، والصحافة من عالم الشهادة؛ الشعر يعلو على التفاصيل ويراوغ الآلهة، والصحافة لا تقوم إلا بالتفاصيل ورقص التانغو مع الشياطين. الصحافة ترصد السياسة في تعريفها كفنّ للممكن، الشعر يسمو بكل ممكن نحو مداه الأقصى ليصبح كمالاً ومثالاً. كيف يمكن لهما أن يلتقيا، لكن رغم ذلك أستذكر تجارب امتزج فيها الشعر بالصحافة كتلك التي اجترحتها جريدة السفير حين ضمّت بين ظهرانيها في قسمها الثقافي شعراء مثل عباس بيضون وبسام حجار وبول شاوول.

أما ماذا يمكن أن يضيف للصحافة! يمكن للشعر أن يكون للصحافة، ولا سيما الثقافية، محفّزاً على النقد وطرح الأسئلة الحرجة وأن يؤسس لما يبقى و”يمكث في الأرض”، بعد أن تذهب كل صفحات السياسة جفاءً كالزبد. وبالعكس، لا أعرف ما الذي تضيفه الصحافة إلى الشعر: في عملي الصحفي لطالما وجدت في ضغطه والتزاماته وضرورة تسليم مواده في أوانها، وكتابة المراثي لشعراء أحبهم عند وفاتهم، وتغطية المعارض والجوائز؛ ما يضرّ بحساسيتي الشعرية، وعزلتي والتركيز بحواسي على التأمل من أجل كتابة القصيدة، وكذلك إقحامي في أتون العلاقات العامة التي لا أحبها كثيراً عملاً بجملة عباس بيضون الشهرة “أعيش محاطاً بكل هؤلاء الذين جعلوني وحيداً”. الشاعر فيّ يسمو على الصحفي، لكن لا بدّ من الاشادة بالتجربة في ملحق “كلمات” في جريدة الأخبار اللبنانية، والتي نفرد فيها صفحات للشعر ويُسمح لي في أحيان كثيرة أن أبدل هوية الصحفي بهوية الشاعر، فأنشر ما أحب من قصائد والترجمات. لا شيء يسمو في حياتي على الشعر، الذي يجده الشاعر مالارميه أخطر من الإله.

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.