الذهاب إلى مناطق أخرى غير معهودة

0 264

آلاء حسانين – مصر

بداية لا أعتقد بوجود انفصال بين الشاعر الذي يكتب، والآخر الذي يعيش، فبالنسبة لي على الأقل، الشعر هو تكوين نفساني، وجهة نظر تجاه الحياة، طريقة للعيش والشعور، ولا أعرف ما الذي يتسبب بالآخر، هل الشعر هو السبب بأن اصبح بهذا التكوين النفسي والشعوري والعقلي؟ أم العكس؟ هل أكتب الشعر لأنني بهذا التكوين؟ إنه يشبه سؤال البيضة والدجاجة.. لكن ربما الشعر بالنسبة لي هو انتباه، انتباه للعالم، والتفاصيل الصغيرة، انتباه دون واع تقريبًا. منذ أيام مثلًا كتبت قصيدة عن السحاب الذي يتحرك، لكن حدث ذلك في لمحة عين، نظرت فجأة إلى السماء ووجدت بأن السحاب يتحرك، فردة فعلي الأولى كانت أني بكيت بشدة، ثم ضحكت على بكائي، ثم كتبت قصيدة، وجلست بعدها أحاول أن أفهم سبب بكائي، ووصلت إلى أني استوعبت بأن الحركة تعني الحياة، السحابة كانت تمشي، والمشي يحتاج إلى وعي، وأدركت أن السحابة كائن حي، ولوهلة شعرت بهذه الحياة تمتد منها إليّ، مما أبكاني. ولم أفكر من قبل إن كانت السحب تشعر ام لا، لكن في تلك الثانية بالتحديد أبصرت شعورها، وربما تواصلت معها لوهلة فقط. وهكذا أدرك الشعر، عندما أدرك الحياة، عندما أصبح أكثر انتباهًا لنفسي وللعالم، جزء من هذا الانتباه تلقائي بالطبع، نوع من تدريب الحدس، لذلك لا أظن بأن أي نوع من الاقتراب من الحياة، إما عن طريق الصحافة أو غيرها، هو إضاعة للشعر، بالعكس، الشعر هو مرآة ربما، ما ستراه وتشعر به ويؤثر فيك، سينتقل بالضرورة إلى الكتابة، والكتابة الشعرية هي طريقة تعبير عن الشعر لكنها ليست الوحيدة، بالإمكان أحيانًا أن أكتفي بشعوري بالقصيدة دون الحاجة إلى تحويلها لشيء مكتوب.

الشاعر في النهاية هو كائن بيني، بحسب تعريفي الشخصي وإسقاطي على نفسي، ولا أعرف هل لهذا علاقة بالشعر ام انه شيء آخر، لكن أعتبر نفسي كائنًا بينيًا، غير محدد الذات. هذا يجعلني أعيش بخفة طوال الوقت، أو معظم الوقت، جزء كبير مني يعيش في المسافة بين داخل هذا العالم وخارجه، شيء من الطفو. وهذا تسلل إلى عملي الصحفي بالفعل، فالآخرون بالنسبة لي، الذين كتبت عنهم أو حاورتهم، كانوا أشبه بشخصيات روائية بالنسبة لي. والبينية التي أنا عليها، ساعدتني في أن تكون لهم الحرية لتقديم أنفسهم وأعمالهم، فما أن أطفو، فهم يطفون أيضًا، حتى لو كانوا كثيري التشبث بموقعهم في العالم، وأنا في النهاية لا يملي عليّ أحد عما أكتب، ومن أحاور، أعمل بنوع من الحرية، وربما الكسل، فألتقط من أرغب بالتلاقي معهم في طفو ما.

الرؤية ربما، هي ما يضيفه العمل الصحفي للشاعر، والخروج من العالم الشخصي قليلًا للتجول في عوالم الآخرين، العمل الصحفي ساعدني على تمرين تنحية الذات، ورؤية الآخر بمعزل عن التجربة الشخصية، فالشعر يجعل الشاعر غارقًا في تفاصيله الشخصية ورؤية الحياة من خلال عين وحيدة ربما، ففي الشعر حتى حينما أكتب عن الآخر، فأنا أكتب عنه من خلال تعاطيه معي ومروره أمام مرآة عيني، لكن في الصحافة أنا تتنحى لتفسح المجال ليروي الآخر روايته.

هناك الكثير مما يجنيه المرء من خلال الذهاب إلى مناطق أخرى غير معهودة، أنا انطلقت من حقل الشعر أولًا وترعرت فيه، لكني انطلقت بعد ذلك إلى حقول فنون كثيرة، فالكتابة الصحفية هي فن أيضًا أمارسه، وأستمتع به، لأني أكتب عن الفن والسينما والتشكيل في الغالب، وأحيانًا عن الإنسان والجندر والمرض/ الصحة النفسية، وكلها في دوائر اهتمامي الشخصي، داخل الشعر وخارجه، وتمسني شخصيًا بشكل أو بآخر. كما أنني أرسم أيضًا، وأمثل، ولدي شغف بالسينما يدفعني للعمل فيها، وما كل ذلك سوى تجول داخل حدود النفس وخارجها في آن واحد.

أنا الصحفية وأنا الشاعرة ليستا نصفين، هما واحد بأجزاء عديدة وهيئات متعددة.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.