عن معارض الكتاب في العالم العربي  

جدل - الناشر العربي

0 976

د. آسيا موساي – منشورات الاختلاف – الجزائر

مع كل سنة جديدة ينزلق حال الكتاب في عالمنا العربي، ويدنو أكثر من هوة كبيرة ساهمت في حفرها عوامل كثيرة، عوامل ظلت تتراكم عبر الزمن ونحن نراوح مكاننا، ولا نملك إزاءها شيئاً.

لقد جاءت معارض الكتاب في مختلف المدن العربية كمنقذ سحري لوضع مختل من أساسه، بيد أن هذا المنقذ ليس في الواقع إلا تعبيراً عن أزمة عميقة نعيش تفاصيلها منذ سنين عديدة.

إن وصول الكتاب إلى يدي القارئ، أيّاً كان، هو عملياً تتويج لمجموعة من المسارات التي تبدو ظاهرياً منفصلة عن بعضها، ولكنها في الحقيقة مترابطة جداً؛ وأي إخلال بمسار معين يؤثر على باقي المسارات. تبدأ العملية عند المؤلف، أو المترجم، أو المحقق لتصل إلى فضاءات البيع الطبيعية؛ وهي المكتبات، مروراً بالناشر، والمطبعي، والموزع.

ومجرد اضطلاع معارض الكتاب بدور المكتبات، يعني أن الدورة الطبيعية تعاني ارتباكاً خطيراً، وأن الناشر يتحول مع الوقت إلى عارض كتب، ينتقل من معرض إلى آخر، على أمل الحصول على السيولة المالية السريعة. السيولة التي لا يوفرها له أصحاب المكتبات وموزعو الكتب لأسباب معقدة لا مجال للخوض فيها.

إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، ففي الوقت الذي يفترض أن تكون معارض الكتب مناسبات ثقافية ومهنية، تسعى إلى الترويج للكتب الجديدة، وإلى ترتيب لقاءات مباشرة بين المؤلف والقارئ، وفرصاً للقاءات بين الناشرين من دول مختلفة بهدف تبادل حقوق الترجمة، تحولت هذه المعارض عندنا إلى ما يشبه الكرنفالات في أحيان كثيرة، يختلط فيها الحابل بالنابل، فمن بيع الألعاب، إلى الأشرطة، إلى بيع الكتب بالجملة، إلى عرض الكتب المقرصنة، وكأننا في سوق فوضوية مفتوحة.

وكأن مهنة النشر لم يكن ينقصها سوى هذا لتكتمل الصورة الرديئة المنذرة بانهيار سريع لقطاع يفترض أن يحافظ على قيم معينة، وعلى مكانة خاصة لدى الجميع.

لقد سمحت هذه المعارض، في كثير من الدول العربية، بتهميش الناشر الحقيقي، وبتمييع الفعاليات المصاحبة لدرجة دعوة أناس لا علاقة لهم لا بالكتاب ولا بالثقافة، وبرمجة أنشطة جماهيرية تسيء لقدسية الكتاب ولحضور القراء الحقيقيين.

ومع انحسار الفضاءات الحقيقية لبيع الكتب وهي المكتبات، لا يجد الناشر من سبيل آخر غير أن يكون متواطئا مع منظمي هذه المعارض ومع الرقابة نفسها، الرقابة التي كان يجب أن تقاوم بشتى السبل، وأن تندثر. الرقابة التي ما زالت تتمدد وتفرض آلياتها، فالمعارض الكبيرة تفرض بشكل غير مباشر على الناشر التزام خط معين، وإلا الحرمان من المشاركة. وهكذا يتحول الناشر من فاعل ثقافي مستقل إلى متوجس من الرقيب، ويتحول دوره في المجتمع من أداة للتنوير والتقدم إلى آلة مهزومة عند أعتاب الرقابة والوصاية.

في غضون السنوات الأخيرة، تحولت معارض الكتب في عالمنا العربي إلى أهم منفذ من منافذ بيع الكتب. لا أحد يعرف كيف هجر القراء المكتبات شيئا فشيئاً، وصاروا ينتظرون المعرض السنوي. أيام معدودات يتخلى فيها الناشر عن وظيفته ليصبح بائع كتب، لينتقل بعدها إلى مدينة أخرى ينتظر فيها القراءُ المعرضَ وهكذا. إلا أن التباينات كبيرة بين المعارض، ما هو مطلوب في شمال إفريقيا لا يشبه ما يبحث عنه القارئ في المشرق، وما تقبل به الرقابة هنا ترفضه هناك. كل هذا يضع الناشر في تحدٍ مستمر، وفي وضع صعب ناهيك عن بقية العراقيل الأخرى المرتبطة بسياسة كل بلد في مجال المالية والتحويلات البنكية؛ وكذا مشاكل الشحن، وتكاليف الإقامة التي تزيد من سنة إلى أخرى.

لقد أضحت المشاركة في المعارض المختلفة أشبه بعملية مقامرة غير مأمونة الربح، وهذا كان منتظراً؛ فما انطلق من فكرة خاطئة لا بد أن يصب يوماً ما في المكان الخاطئ. فمتى تعود معارض الكتب إلى دورها الحقيقي، ويعود الناشر العربي للاهتمام بمهنة النشر وتطويرها، وإلى دوره الريادي في تثقيف المجتمع بدل مسايرة الحكومات المختلفة، والرقابات المتنوعة، والتي تسعى إلى هدف واحد وهو بناء جدار متين بين المعرفة وبين شعوبها.

للتواصل مع الدار:

صفحة مجموعة منشورات الاختلاف على الفيسبوك

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.