الاشتغال ليصير الكتاب همّاً يتجاوز المناسبات

جدل - الناشر العربي

1 1٬344

كريم سليكي – منشورات سليكي أخوين – المغرب

      مع كامل الأسف، تعتبر المعارض في العالم العربي هي المتنفس شبه المنقذ من الإفلاس، والمعبر إلى بر الأمان في غياب مستهلك يومي رسمي لمنتوج يستنزف الطاقة والوقت والمادة، هذا الذي نسميه الكتاب؛ لذلك فالناشر يعلق غالب أحلامه وآماله على هذه المواعيد. هذه المعارض يمكن أن نقسمها إلى قسمين: معارض للبيع، وأخرى تجاوزت البيع المباشر وتخص مهنيي وصناع القطاع. هذه المعارض هي تكاليف إضافية على ما صُرف: ثمن الرواق (حسب المساحة)، والتذكرة (حسب المسافة الفاصلة بين موطن دار النشر وبلد المعرض)، والإقامة، والشحن و.. و… و..؛ لذلك هناك تحديات مادية باهظة ومرهقة، والتي غالباً ليست في متناول أي ناشر؛ وهو ما يجعل العديد من الناشرين يشتغلون بمبدأ «كم حاجة قضيناها بتركها».

      في المقابل، نجد معارض ذات طبيعة خاصة، لا يمكن الرهان على بيع الكتاب للقارئ النهائي. في الواقع، هذا هو الطموح الذي ينبغي على العالم العربي الاشتغال عليه، حتى يصير الكتاب والثقافة في شموليتها همّاً يومياً يتجاوز المناسبات، وهذا يحتاج إلى كثير عمل وجهد واجتهاد من لدن صناع القطاع.

عدم خلط الأمور، والممارسة السليمة لدور الإعلام

      الكِتَاب ومعارض الكِتَاب، مواعيد للاحتفاء بالكِتَاب بالدرجة الأولى وصُنَّاعه، بدءاً بالكَاتِب مروراً بالناشر. هذا الأخير الذي به ومن خلاله يحل الكتاب كضيف رئيس. معارض الكتاب التي تنظم في كل بقاع العالم هي فرصة لتقديم وللتعريف بثقافات وأفكار العالم من خلال منشورات الدول، وفرصة لتبادل الخبرات، والبحث عن إمكانية المرور إلى لغات أخرى. في مثل هذه المواعيد، تقيِّم الدور إنتاجاتها شكلاً ومضموناً لأنه من خلال المقارنة والتباين تصبح الأمور أكثر وضوحا؛ وهذا تلمسه بشكل قوي في المعارض الغربية التي راكمت خبرات من تجويد الصناعة الثقافية بكل أطيافها؛ فلا تختلط الأمور ببعضها، فتجد الإعلام يمارس دوره بالطريقة الصحيحة، والتي تتجاوز نقل ما يحدث وتغطية الأحداث إلى دور المواكبة والتحسيس والمصاحبة. للإعلام القدرة على التأثير في الوعي العام وتصورات وأفكار الأفراد، والوحيد الذي يدخل البيوت دون استئذان؛ ومن ثم، فمن واجبها التعريف بالمنتوج الفكري المغربي. الإعلام العمومي لكل المغاربة؛ فليكن إعلاماً محَرِّراً منقذاً مكوِّناً صانعاً للجمال بدل التطبيع طوال ساعات البث مع الغباء. العدمية والسلبية المتجذرة في المجتمع المغربي أساسها الإعلام، والإعلام هو النافذة التي يطل العالم علينا من خلالها، فلتكن إذن على الأقل منصفة؛ إذ أحيانا أشك أنها ستصمد في المستقبل لأنها لم تعد تخاطب المغاربة، ولا حتى إعطاء صورة إيجابية عن المغرب.

  بين الانفتاح، والرفض والمصادرة

مسألة الرقابة تختلف من دولة إلى أخرى، ولن أكون مبالغاً إذا قلت أننا في المغرب نعيش انفتاحاً وهامشاً من الحرية، بل أحيانا نحن الناشرون نمارس نوعاً من الرقابة على أنفسنا بحكم أن نوعاً من الكتابات أو أي عمل يمس مقدسات الوطن، وهو أمر طبيعي؛ وما عدا ذلك فلك ما تريد. في المغرب، النشر لا يتطلب منا أخذ إذن أو ترخيص بالنشر، على غرار العديد من الدول العربية التي لا يمكن للناشر أن ينجز عملاً دون ترخيص. بالنسبة للمعارض، هناك العديد من الدول التي تمارس رقابة شديدة في نوعية وعناوين الكتب التي ستعرض، بل يتم رفضها بتاتاً لأن تكون موجودة، وحتى إن وجدت يمكن مصادرتها من الرواق. بالنسبة لنا، لم يسبق لنا أن خضنا تجربة المصادرة أو المنع في أي معرض إلا مرة في معرض الجزائر، حيث رفض كتاب من الدخول لمجرد أن عنوانه اعتُبِر مستفزاً «الكفاح المسلح»، وهو لا علاقة له بما توقعته السلطات الجزائرية.

المغامرة إلى أبعد الجغرافيات

لكل معرض خصوصياته، لذلك وجب التهيؤ له وحمل الجديد والاشتغال عليه حسب طبيعة البلد المنظِّم، ولكل محطة أنواع من القراء وجب توفير ما هو متعطش له؛ وبهذه المناسبة وجب الإشارة أن الناشر المغربي انفتح في العشر سنوات الأخيرة بشكل لافت في جل معارض الكتاب في العالم، وصار له حضور رسمي في كل المعارض العربية، ويحصد العديد من الجوائز في شتى المجالات (الإبداع والنقد والفلسفة والتاريخ…)، وصار منافساً حقيقياً للمشارقة في المشرق، من حيث الموضوعات المطروحة وجودة صناعتها. هذا يمثل حافزاً لنا للمضي قدماً في تطوير قطاع النشر، وتعبئة ناشرين آخرين من أجل ركوب مغامرة السفر بالكتاب المغربي إلى أبعد الجغرافيات.

موقع منشورات سليكي أخوين على الويب

 حساب منشورات سليكي أخوين على الفيسبوك

قد يعجبك ايضا
تعليق 1
  1. ياسين يقول

    موضوع قيم ومحتوى هادف وتطلعات نبيلة، أعانكم الله ووفقكم لكل خير، تحياتي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.