الحزن الممزوج بالمتعة

جدل - الناشر العربي

0 844

فايز علام – دار سرد – سوريا

توفّر معارض الكتاب فرصة للناشر ليلتقي بالقراء، فيسمع آراءهم المباشرة عن كتبه، وعما أعجبهم فيها، وعما ما لم يحبوه؛ وليرى مباشرة الانطباع الأول لما عمله، أأحبوا كلمة وصف الكتاب؟ أأعجبهم الغلاف؟ أحمّسهم العنوان على الاكتشاف؟ وفي الوقت نفسه، يتيح المعرض للقارئ فرصة ليتعرّف على الناشر.

في “سرد”، لا نشارك مباشرة في معارض الكتب؛ لأن الدار ما زالت في سنواتها الأولى، ولا تستطيع تحمّل تكاليف المعارض العالية من رسم اشتراك باهظ، وتكاليف شحن ونقل وسفر وإقامة.

مكتبات تجار، مكتبات قراء

شاركت، خلال عملي في دور نشر عدة، فيما سبق، في معارض كتب قليلة جداً. كانت تجربة محزنة وممتعة في آن. المحزن، فيها، هو الاضطرار للتعامل مباشرة مع تجّار الكتب (وأقصد كثيراً من المكتبات في العالم العربي) الذين يرون في الكتاب سلعةً لا غير، فلا يأبهون برمي كلامٍ جاهل عن كتابٍ ما، أنت تعرف قيمته الحقيقية، ولكنه “كتاب فاشل” في نظرهم؛ لأنه لم يُبع. كما أنهم لا يفكّرون بأنهم حين يستثنون كتباً مما يأخذونه من إصدارات جديدة؛ بذريعة توقّعهم أنها لن تُباع؛ إنما يقطعون سلسلة توزيع الكتاب، وستقف حلقاتها لتبقى معلقة، قبل أن تصل إلى هدفها النهائي؛ وهو القارئ المعني بإصدار الحكم على الكتاب.

وغيرها من معاناة يتكبدها الناشر مع هذه المكتبات، يكاد لا ينقذه الإحباط واليأس غيرُ اللقاء بأصحاب مكتباتٍ أخرى وعاملين فيها، وهم على النقيض من النموذج الأول (لكنهم قلة للأسف)، فهم قراء أولاً، ولذلك لا يكتفون بأخذ كتبك الأكثر مبيعاً، بل يقرؤون ما استطاعوا من كتب، ويحاولون الترويج لها إن أعجبتهم ليمنحوا هذه الكتب حياة جديدة.

القارئ الذي أبحث عنه

أما ثاني ما يحزن، فهو تلقي عشرات الأسئلة من “بعض القراء” في اليوم الواحد. هذه الأسئلة التي غالباً ما تكون عن عناوين بعينها حصلت على شهرة (لا تستحقها) لسببٍ ما؛ مما يعطي مؤشراً مؤسفاً عن الذائقة المنتشرة، وعن لعبة الدعاية، وعن أشياء أخرى كثيرة. ولا ينقذ الوضع مجدداً إلا قارئ مختلف، يدخل إلى جناح الدار، فيقف مطوّلاً أمام الرفوف، يمسك الكتب، يقلّب صفحاتها، يقرأ فقرة هنا وفقرة هناك، تراه يمد عنقه لرؤية العناوين في الرف العلوي، وينزل لرؤية أخرى في الرف السفلي، محاولاً أن يكتشف الكتب بنفسه، بعيداً عن السائد والمنتشر. هو –وإن لم يشتر كتاباً منك- تحترمه وتعرف أنه من تعمل لأجله. غالباً هذا القارئ هو من تحزن أنك لا تشارك في المعرض مباشرة من أجله، فهو من كنت ستفتح حديثاً معه، سيلهمك أفكاراً، وستحكي له عن كتابٍ ما. تتناقشان في بعض الكتب التي قرأها وتتبادلان الآراء.

حكاية في معرض

لكل كتابٍ يصدر حكاية، قد تكون حكاية اختيارك له، قد تكون حكاية حصلت مع مؤلّفه أو مترجمه، وقد تكون حكايته في طريقة تحريره، وكيف علّمك شيئاً جديداً، وغيّر من قناعاتك في العمل، وقد تكون الحكاية في حيرتك ونقاشاتك مع مصمم الغلاف بخصوصه. لكل كتابٍ تصدره حكاية تختلف عن الحكاية التي يضمّها هو بين صفحاته. حكايةٌ لا تُروَى إلا لقارئ شغوف تلتقيه في معرض كتاب. حكاياتٌ كثيرة تُنسى ولا تحكى إن أنت لم تشارك مباشرةً، وهذا أكثر ما يُحزن.

 صفحة دار سرد على الفيسبوك

 حساب دار سرد على تويتر

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.