بابٌ جِهتاه إلى الداخل

0 248

حجر

إلى مي

1

كانت الغرفةُ ساهيةً هذا الصباح.

ضوءٌ فاتِر يتتابعُ عليها،

أقلّ من أن يشعّ، وبالكاد ينعكس.

 

وكنتِ فسيحةً على السرير،

تتحدّرينَ من داخلٍ، كانطباع.

نصفُكِ العاري مستيقظٌ قبلَك.

تُراني إن لمَستُكِ أدخل حُلمَك؟

ولكنْ، ماذا إن كان حُلمُك اليوم

شفافًا أو أبيضَ؟

الشبّاك، أفتحُه.

حبلَت الستارةُ ووضعَتْ

في اللحظة ذاتها، عِدّة مرات.

وها هي الغرفة تنتبهُ،

وبدَتْ وكأنها تتحوّل إلى خارجٍ.

2

أهمسُكِ، كاملةً.

أتلفّظُ بجسمك كلّه،

وتَكونين، ولكنْ خارِجَك.

أمنحُك ما ليس لي، نفسي.

نكُفّ عنّا، يُبطِلنا حيوانُ الحب،

ونجدُنا على حوض الحياة القديم.

ينغلق الواحد في الآخر،

وبنا يفيضُ المكان.

لغةٌ، حركاتٌ، أنفاسٌ،

كم نَبلغُ نحن من تَلقاءٍ كهذا؟

دأبُ الحركةِ يتباطأ، سُكون.

نبضانا دوائرُ تتسعُ

إلى جانبيّ السرير.

وننحلّ، كلحظةٍ في نَهار.

3

للبيت عَتبةٌ حيّة،

تجلسُ أمامه أليفةً.

أقدامنا بتَكرارها البسيط،

والغايةُ الطريقُ.

مُسطّحةٌ سماءُ المدينة،

من فوقنا.

والعابرون هائمون،

كإجاباتٍ لأسئلةٍ لم تُطرح بعدُ.

حشْدُ وجوهٍ، أغُضّ.

فالوجهُ الذي تنظرُ إليه

تحمِلُه معكَ.

بِنايةٌ عاكسة، تقول

كلَّ شيء إلا نفْسَها.

انظري، كم نحن في غاية الصغر.

بيننا أحاديث، قِسناها بالمسافة.

أحاديثُ، لكيلا يَنسى الفمُ.

كلماتٌ أبدية على شِفاهٍ فانية،

مَن يتسلّى بالآخَر؟

مساءٌ، ويدُكِ.

يدُكِ التي أعرفُ،

هي ما أعودُ به إلى البيت.

4

في أعالي أيّامنا،

كان دائمًا بحرٌ.

جلسنا إليه،

نتدبّر طَبعَ الماء،

وتَغترف أعينُنا في الأزرق.

كلُّه البحرُ، من أيّما جهةٍ

من جهاته.

شِعرُ المكانِ. سماءٌ قريبة.

وهادئًا، يَغطّ في بَداهته

التي أسرَتنا.

أُولَى، دائمًا،

هي النظرةُ إلى البحر.

وكلّ أوقاتنا، عِنده، غُروب.

5

خارجةً لِتوّكِ من نسيانٍ،

وجهكِ ورقةٌ على صيف البحيرة.

وبدَوتِ كأنكِ من بعيد.

شُرودكِ بامتداد مطرٍ كامل.

تَخِفّين به،

حتى كأنكِ توشِكين أن تَخطُري بِبالٍ.

شُرودٌ ليس إلا الحُزنَ، وقد بَرُدَ.

نموٌّ إلى الداخل.

واختبارٌ للحياة من ناحية الشجر،

حيثُ الاستغراقُ في النفْسِ

على حِساب الحركة.

نظرَتي إليكِ نعاسٌ في عيني.

وأراني أعبُرُ نحوَكِ،

ونهبطُ سويّةً على سلالِمَ لا تنتهي.

6

الساعةُ السادسة، موعدُ عودتكِ.

عياءٌ مسائيّ باستدارة وجه.

أصيلٌ كحَجَرٍ تعبُكِ،

لكونِكِ أنثى ربما.

كم حلُمنا بحبٍّ كالهواء،

حاضرٍ غير منتبَهٍ إليه.

حدقةٌ صغيرة،

باستطاعتها أن تسَع الأفقَ.

وسِتارُنا الأبيض،

الذي يَسمح بمرور شيء من الضوء.

مِنّا، من الأمكنة وشواغلها،

تنبعثُ على مهلٍ سهولةُ الليل.

بلا تكلّفٍ، طالعٌ من طبيعة الأشياء.

 

تلويحةٌ ولا يدٌ، إنه النوم.

حيثُ النزهةُ التي لا نذهبُ،

النزهة التي من غيابنا.

وشعرتُ بأن نومَنا

لا يغطّيه إلا لِحافٌ بِكِبَر الليل.

7

في طمأنينةِ ريشةٍ تَحطّ

الآن على الأرض،

عبَرَت الموسيقى من خلالنا،

ورقصنا. حُرّينِ كنا،

عندما المطرُ حتى على الفكرة،

ورفّةُ جناح تكفي لتملأ الفضاء.

حركاتٌ بسيطة، ولكنّها لنا،

كمثلِ شرشفٍ على الحبل،

يتشكّل عفوَ الهواء،

فيما يُشبِه بكارةَ الحركة.

تلتفتُ الأشياءُ نحوَ العاشقينِ،

وألفةٌ ما تتفتّحُ في المكان.

ليس بكاءٌ، ولكنْ ثمّةَ دموعٌ كثيرة.

أمعِني، دموعي ثابتة،

ولكنْ أنا مَن ارتفعَ قليلًا.

8

الهواء جسدٌ بلا ظل،

الهاوية ظلٌّ ولا جسد.

إنها الظلّ مُحدَّبًا، وإلى أعمقَ دائمًا.

شكلٌ من غيابٍ، ليس ذاك الذي

ضدّ الحضور، بل الذي لا ضدّ له.

الهاويةُ بيننا ردمناها بالضوء،

ورغم أنه كان جميلًا وفائضًا،

إلا إنه لم يَكفِ لعُبورٍ.

أسألكِ، هل الضوء يملأ

الهاويةَ أم يُفرِغها؟

طَمسٌ وضعُ الكلام على اللسان،

والأذن طمسٌ ثانٍ.

على جانبيّ السرير،

مستغرِقٌ كِلانا في نفسه،

كلمتانِ متجاورتان ولا سِياق.

9

كفٌّ ناهضة تفرّقُ النسيمَ،

ووقتٌ ما يأبى أن ينقضي لمجرّد أنه قد مَرّ.

مستديرةٌ هي الأشياء في الذاكرة،

وحين تخطرُ تستطيلُ حرّةً، كظلٍّ في فِناء.

حلمتُ بكِ ليلةَ البارحة،

ما كنتِ آتيةً من وراءٍ ولا أمامٍ،

بل رَشَحتِ من خِلالٍ.

وحينما أفقتُ، توهّمتُ لِوَهلةٍ

أني أشعرُ بانحناءةِ الزمن البسيطة.

بِوَثبةٍ تلوَ أخرى، قطَع الحَجرُ

ثُلثَ البحيرة التي لم تتوقّعه.

وبينما ينغمسُ، ينزاحُ ماءٌ

قليلٌ هناك على الضفّة.

لا أشكُّ في أننا عبَرنا من فوق

أيامنا، وعلى أطراف أصابعنا.

نسيمٌ دافئ، خرج لتوّه من رئة

الأرض، يحطّ على وجهي.

يتمثّل قسَماتِه ويمضي بها

إلى البعيد، حيث الكفّ الناهضةُ

هناك تفُضّ الوجهَ فيما، بلُطفٍ،

تفرّقُ النسيم.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.