غزّة، تصنعُ أيضا النجوم

0 596

محمد فتيلينة – الجزائر

   في الوقت الذي تنفق فيه وزارة الخارجية الإسرائيلية أكثر من 8 ملايين دولار (بحسب وسائل إعلام غربية وعربية) على الدعاية في أوروبا من أجل دعم سرديتها عن الحرب التي تشنها على غزة عقب إطلاق حركة المقاومة الإسلامية حماس عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر الجاري، لم تحظَ الرواية الفلسطينية بأي دعاية رسمية من الجهات السياسية العربية سواء التي تتبنى النظرة التقليدية القائمة على أن فلسطين قضية العرب الأولى أو من الجهات الإسلامية التي ترى في فلسطين قضية المسلمين الأولى، وفشلت بذلك السلط العربية والاسلامية في فضح الإسرائيليين ونقل صور المجزرة التي يرتكبها جيش الاحتلال في حق الشعب الفلسطيني للرأي العام العالمي. بينما استطاعت بالمقابل شخصيات بعضها مغمور ومجهول للشارع العربي والإسلامي في حشد أكبر نسبة مشاهدة عبر وسائل الإعلام المختلفة لتوثيق السردية الحقيقة-والواقعية-لما يجري في غزة أمام شرائح واسعة من المشاهدين في العالم باستخدام عنصرين جوهرين في التعريف بهول الجريمة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي. هذان العنصران هما استخدام اللغة الانجليزية والظهور اللافت عبر وسائط الشبكات الاجتماعية (وأهمها يوتيوب وتيك توك).

    منذ السابع من أكتوبر-شهر انتكاسة الكيان-وإسرائيل تتلقى الضربات لا من صواريخ الغزاويين وقذائفهم فحسب بل من الأصوات الإعلامية المقنعة والمؤثرة. وبُعيد أن استفاق-مؤقتا-جيش تساحل واستهل انتقامه باستخدام قوته الغاشمة في غزة بجنون، لم يستثن فيها عجوزا أو طفلا أو معاقا ولا بيتا أو دور عبادة أو مستشفى، مُخلفا وراءه عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين، حتى بدأت وسائل الإعلام الغربية تحت ضغط مشاهديها المتواصل في أوروبا وأمريكا في محاولة إظهار التفاصيل الحقيقية والتبعات الناجمة عن الصراع الذي خلف كل هذا الدمار، فتواصلت كبريات الشبكات العالمية من البي بي سي إلى فوكس نيوز مرورا بالسي أن أن، إلى استضافة عرب يتكلمون ألسنتهم الأجنبية لفهم ما جرى.

الطبيب المصري باسم يوسف: في مفاجأة أدهشت المتابعين الغربيين ومقدم البرامج الشهير بيرس مورغان. قلب الطبيب المصري و”المؤثر” اليوتيوبي الطاولة على مورغان، واستطاع باستخدام الكوميدية السوداء أن يعطي للنقاش بعدا إنسانيا مقنعا لصالح القضية الفلسطينية، وحصد لقاؤه الملايين من المشاهدات والاعجابات وردود الأفعال الإيجابية لصالح القضية الفلسطينية وخصوصا معاناة أهل غزة. وكان من اللافت أن الأدوات التي استخدمها باسم يوسف في مرافعته هي لغته الانجليزية الجيدة وتحكمه في طرق الحوار من خلال الإيحاءات والإيماءات وسيميائية الوجه والعين. لم يجد المحاور البريطاني أمام هذه الصورة غير النمطية سوى الإذعان-من خلال صمته-ومتابعته لصوت غزة المنبعث من فم اليوتيوبي المصري الذي ختم حواره بنبرة ساخرة ومعبرة بالقول : هؤلاء الفلسطينيين لا يموتون ابدا، حتى زوجتي التي يسكن أهلها غزة لا أعرف لم لا تعرف الموت؟

السفير الفلسطيني حسام زملط: في حوار آخر لا يقل مفاجأة في تاثيره، هيمن السفير الفلسطيني حسام زملط-الذي نشأ مثله مثل الآلاف الفلسطينيين في مخيم للاجئين-على شاشة محاورته الأمريكية الشهيرة في شبكة سي أن أن الأمريكية  “كريستيان أمانبور”، حينما غيّر مجرى النقاش-باستخدام لغته الانجليزية المتعالية- من التماهي مع السردية الإسرائيلية التي تنطلق في كل الحوارات بسؤال الضيف: هل تدينون حماس وعمليتها “طوفان الأقصى” إلى التذكير بنكث إسرائيل لكل العهود والمواثيق الدولية، طوال عقود من الزمن ووقوف الرأي العام العالمي صامتا أمام مجازرها، وهو ما رآه الرجل تشجيعا على الابادة الجماعية لشعب ذنبه أن أرضه محتلة منذ أكثر من سبعين سنة، متطرقا إلى مأساوية الوضع القائم المتمثل في مقتل الآلاف على كلا الجانبين، مشيرا إلى أن “العالم والمجتمع الدولي يغضان نظرهما ويصمان آذانهما عن انتهاكات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين لعقود، ويتحدث عند مقتل الإسرائيليين فقط”.

وقد رفض زملط-سابقا-الإجابة عن أسئلة مذيعة بي بي سي حول إذا ما كان يدين معركة طوفان الأقصى، واعتبر مبدأ السؤال فاسدا من الأصل، وانتقد القناة لعدم استضافته إلا حين ذاقت إسرائيل من الكأس الذي يذوقه الفلسطينيون منذ بدء الاحتلال.

واكبت وسائل التواصل الاجتماعية إجابات السفير الفلسطيني ورأت في لغته الواضحة  وحجاجيته أسلوبا جديدا لم يعهد المشاهد الغربي مشاهدته عبر الوسائل التقليدية، التي يهيمن على رؤوس أموالها العديد من الصهاينة.

المؤثر البريطاني محمد حجاب: على غير العادة تصدى المحاور البريطاني من أصل مصري، الذي يمثل لون بشرته ولحيته في الإعلام العالمي استحضارا للصورة النمطية التي يرى بها الغرب الاسلاميين وكأنه نوع ترسيخ البروتوتيب الغربي لكل ما هو شرقي (عربي تحديدا) لبيرس مورغان في برنامجه الشهير Talk وفرض منطقه وسرديته طوال أكثر من نصف ساعة. حينما دخل بلكنة بريطانية صرف-لا تشير أن الرجل يعرف غيرها-في نقاش مع المذيع البريطاني، بشأن تسمية الحرب الدائرة في غزة، والعدوان الإسرائيلي عليها، إذ دافع حجاب عن حق الفلسطينيين-الغائب عن وسائل الاعلام الغربية لسنوات طويلة-في مقاومة الاحتلال، مشيرا إلى أن الآلة الإعلامية الغربية تحور الأخبار، وتبث-بشكل ممنهج ونمطي-الصور الزائفة المفبركة عبر الذكاء الاصطناعي، والكل يصدق ذلك.

وكان الشاب (الذي ولد سنة 1992) واضحا ومقنعا حينما سئل إن كان يدين ما فعلته حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، من عملية ضد مستوطنات الغلاف، قائلا إن إسرائيل تفعل ذلك كل يوم بحق الفلسطينيين، ولا أحد يرمش لح جفن، وحاجه بأن الإسلام يمنع قتل الأطفال والمسنين والنساء، وإنه يدين ذلك انطلاقا من عقيدته وإيمانه، لكنه أشار إلى أن إسرائيل تقتل المئات يوميا من الفلسطينيين دون أن يدين الغرب ذلك.

    مثل سابقيه كانت المتابعات الغربية لهذه الشخصيات عبر المنصات الإعلامية تتعدى الملايين، وكل ذلك بسبب ما جرى في غزة، وصمود أبنائها في الوقت الذي تصمت فيه الشعوب العربية، مكتفية بالتفرج على إطلالات قالتها المخزية أو الدعاء في أحسن الحالات.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.