لحن حزني

0 457

علي وهبي – لبنان

مكتبتي

تفتحُ لي قلبَها

وتقول هاتِ حزنَكَ، لا تثقل محبّيكَ به،

ولا تُوقظ أحزانهم لا تفتح جرحَ فَقدِهم

مكتبتي

تفتحُ لي قلبَ كُتبها،

فيعبرُ جلجامش وخلفَهُ يمشي النَّاعون، وأمامهم قارعُ طبلٍ وخمس راياتٍ سوداء.

وأصواتُ الحزنِ تصدحُ

دمعتان على خدِّ جلجامش،

دمعة نهرين، ودمعة شِعر العراقِ.

وهكذا تعلّمت بغدادُ النّحيبَ.

“لولا الحياء…

لَزُرتُ قَبرَكِ وَالحَبيبُ يُزارُ”

لا حياء يا جرير

تعال: “يَا امْرأَ القَيْسِ”

فاليومُ حزنٌ وغدًا حزنٌ.

ومكتبتي تغزلُ الحزنَ

على نولِ الرِّثاء.

يناديني الجواهري يا صغيري

ردّد معي: “ناجيتُ قَبْرَكِ أستوحي غياهِبَهُ

عنْ حالِ ضَيْفٍ عليه مُعْجَلاً يَفِدُ”

ردّد معي ما قالَهُ المُتَنبِّي: “لَكِ اللهُ مِنْ مَفْجُوعَةٍ بحَبيبِها قَتيلَةِ شَوْقٍ…”

ردّد ما قاله ابن الرّومي: “ولكنَّ ربِّي شاءَ غيرَ مشيئتي

وللرَّبِّ إمْضَاءُ المشيئةِ لا العَبْدِ”

ردّد مع السّيّاب: “كأنَّ طِفلاً باتَ يهذي قبل أن ينامَ

بأن أُمَّه التي أفاقَ مُنذُ عام .. فلم يجدها

ثُم حين لجَّ في السّؤال

قالوا له: بعدَ غدٍ تعود لابدَّ أن تعود”.

ينتحي الجواهري ديوانَهُ نادبًا أخاه جعفر، فتُجلسني المكتبةُ على حجرٍ ترابيٍّ أمام “غسان مطر” وديوان ال “عزف على قبر لارا”

فاستأذنُهُ وأعزف على قبرَي هادي ونهى.

وما كنتِ “ابنة حظٍّ” يا نهى وربّما كنتِ.

تترجمُ المكتبةُ مناداةَ إيزابيل الليندي إلى ابنتِها.

هذا لحنُ حزني: باولا، باولا..

فتمْتم لحنَ حزنِك: نهى، نهى، نهى.

امرأتان ثكلانتان

لا تلبسان أثوابًا سوداء،

والدةٌ وابنتُها

مكتبةٌ وقراءةٌ

الحزنُ بينهما يتهادى

كأنّهُ دمعةٌ تصبُّ في القلبِ

تناديني المكتبة

يا صغيرَ الجواهري غير الوريثِ

اقرأْ

ودع لي حُزنَك لأغزلهُ على نولِ الرّثاء.

يا صغيرَ قراءةٍ يحاول الوصولَ إلى الشِّعرِ

أتدري الحزنُ كالشِّعرِ

كثرٌ يحاولون

ويبقى حزنُهم دمعةً مِن سراب

يا صغيرَ المكتبةِ

ألم تكن أختكَ تعلّم أبناءها الحبَّ، القراءة،َ والسّلام؛ فتعالَ نمسح دمعةَ الحزنِ بكفِّ القراءةِ.

تعالَ نقرأُ يا صغيرَ المكتبةِ أثرَها في القلبِ والرّوحِ والذاكرةِ

تعالَ

فتحتُ لكَ كتبي

فتحتُ لكَ قلبي…

فدعِ القلوبَ لأحزانها

فدعها،

دعها ولا تدعني

يا كبيرَ حزنٍ

كلّ كُتبي لكَ وسائد.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.