حسين عبد علي: يجب أن نكون سوبرمانيين
عباس الحايك– سماورد
عرفته للمرة الأولى ممثلاً مسرحياً، في دور يعتمد على لغة الجسد، وأثبت قدرته على أدائه. ممثل يملك إمكانات الأداء المسرحي المدهش. وعرفته فيما بعد شاعراً، ومصوراً، ومصمماً، ورساماً مبدعاً في كل مجال. الفنان البحريني حسين عبد علي عضو مسرح الصواري. لا يقف حائراً في الإجابة على سؤال أي المجالات أقرب إلى الروح؛ فالمسرح هو”(أبو الفنون) كونه جامعاً مانعاً لكل الأجناس”. شغفه بالمسرح يجعله يختاره، ويستدرك في شرح فلسفته تجاه هذه الفنون والأشكال الإبداعية، فالأقرب “هو الذي يكون على تماس مع الفعل الإنساني وعلى محك من الروح الإنسانية، ولا قيمة للقالب أو الإناء؛ بل كل الأهمية تكمن بما ينضح. المسألة، بالنسبة لي، مرتبطة
باقتناص فرصة معرفتك ككائن أخلاقي خلاق، مشغول بالبحث عن الحقيقة، في زمن متسارع ذو إيقاع مضطرب من الصعب أن تلحق به، في زمن تتكالب عليك الوجبات الثقافية ذات طابع الفاست فود، وتغلب عليه لغة السوق والربح والخسارة، فتجد نفسك وحيداً محموماً بالخروج من عنق الزجاجة بأي شكل من الأشكال”. يدعو عبد علي إلى أن “نكون خارقين أو (سوبرمانيين)، هذه الدعوة نتيجة عجزنا عن مقاومة كل تغيرات وتسارع الزمن. الزمن الذي لم يلقِ بظلاله على الفرد وحسب؛ بل حتى على طريقة تفكيره وعمله ومجالات إبداعه. الأجناس الأدبية والفنية والثقافية التي كانت تتحصن في قوالب ثابتة مقدسة، باتت معرضة للشك والكسر والهدم، على اعتبار أن العصر الحديث هو عصر تداخل الأجناس؛ وبالتالي ظهرت أجناس هجينة معقدة أشبه بالكائن الحي، لا ينمو فحسب؛ ولكنه أيضا يتغير من طور إلى طور. ولا يمكن عموماً القطع بتعريفها إلا بصورة جزئية وضمن سياقات خاصة”، مع كل هذا، يبدي عبد علي عشقه للمسرح الذي يصفه بالوردة التي يشم أريجها، وإن كانت بين نباتات أخرى.
عبد علي فنان متعدد. مع هذا، يبدع في أي مجال يخوضه. لا ينطبق عليه ما ينطبق على غيره (سبع صنايع والبخت ضايع!!). هو لا يعرف سر هذا التوفيق؛ ولكن يبدو أن إدمانه القراءة هو السر. القراءة جعلته يطّلع على تجارب الآخرين ويتلمسها، وهي ما ينمي الحالة الإبداعية في كل صنعة على حدة. ويضيف سراً آخر، إنه العشق، هو السبيل لأن تبدع، عشق ما تفعل، والشعور بأنك لا زلت في الخطوات الأولى وهناك من سبقوك وتفوقوا.
مع هذا الشغف المتأصل بالمسرح لديه، يبدو حضوره محدوداً، بمستوى محدودية التجارب المسرحية في البحرين؛ ولكنه يؤكد أن انشغاله بالمسرح مرتبط بالكيف وليس الكم. يشرح علاقته بالمسرح: “علاقتي بالمسرح أشبه بدرويش يقوم برقصة المولوية لدى المتصوفة. حينما يقومون بالدوران حول مركز الدائرة لساعات طويلة، ويندمجون في مشاعر روحية سامية ترتقي بنفوسهم إلى مرتبة الصفاء الروحي، فيتخلصون من المشاعر النفسانية، ويستغرقون في وجد كامل يبعدهم عن العالم المادي. وعليه، لا يمكن أن نسأل الدرويش عند (اللفة) – الدورة – رقم كم تصل إلى الوجد الكامل”. إذاً، هي علاقة وجد، ويضيف “انشغالي في عمل مسرحي واحد قد يأخذ قرابة الستة إلى الأربعة أشهر”. ففي مسرحية “متروشكا” التي كرست اسمه كممثل مسرحي مبدع، كانت قد استهلكت في بروفاتها الأربعة أشهر والنصف. وفي مسرحية “الصفحة الأولى من الجريدة” قاربت الستة أشهر بروفات فعلية، وسنة كاملة في عمليات البحث والقراءة والمطالعة والنقاشات المتواصلة حول مشهد لا يتجاوز العشرين دقيقة من عمر العرض بشكل عام، وهو لا يحبذ بالتالي الارتباط بأكثر من عمل واحد، فقد يربك هذا أي فنان.
بعيداً عن المسرح، قدم حسين عبد علي ثلاث تجارب درامية تلفزيونية، هي مسلسل (صور من الحياة) للمخرج خليفة الشوملي، ومسلسل (القناص) للمخرج رائد الدرازي، و(عيون من زجاج) للمخرج محمد القفاص. ما حفزه على القيام بهذه التجارب هو الرغبة في معايشة تجربة مختلفة عن المسرح، ولا يشعر حسين بأن ثمة رغبة تدفعه لتكرارها؛ لأن الدراما كما يراها (مكانك سر). مع هذا، يتوق للاشتغال بعمل درامي يحترم فكرة الدراما والمتفرج بالأول والأخير. وهذا ما لا ينطبق على الأعمال التلفزيونية الحالية.
وكما أبدع عبد علي في المسرح، أبدع في التصوير. ويزعجه في تجارب الفوتوغرافيا أن يفوق التلاعب بالصورة عبر الفلاتر والفوتوشوب الفكرة الرئيسة، فتخلو الصورة من فكرة. يشغله في التصوير الوجه الإنساني، “لأن تجعيدة ما في وجه ما قد تقول ما تعجز عنه البشرية أجمع. وبالتالي أخاف من صوري التي تكون بعيدة عن الحس الإنساني، وأصر على تواجده في أي صورة أقوم بالتقاطها. وهو الأمر الذي أراهن عليه في الوقت الحالي ومستقبلا”.
من طموحاته التي لا يحدها حد، “أن يكون اشتغالي المسرحي أكثر نضجا ووعيا. أن أقدم العديد من المعارض الفوتوغرافية. تدشين كتاب جديد. والكثير من السيناريوهات التي تقبع في الادراج بحاجة لضغطة زر التسجيل في الكاميرا. الكثير الكثير من الطموح”؛ وطموحه هذا الذي أسره لي قبل سنوات، حقق الكثير منه، ففي سيرته رواية (متاهة زهرة) التي قال عنها ناشرها (دار مسعى) بـ“إنها تعيد الاعتبار إلى المشهد السردي الجديد في البحرين”، الرواية حققت مقروئية عالية مقارنة بروايات مجايليه، أثبتت قردته وأدواته السردية التي اكتسبها من تراكم القراءة. وفي سيرته أيضاً مسرحية (حينما صمت عبد الله الحكواتي)، المسرحية التي أخذته كمخرج إلى أن ينافس كبار المسرحيين في مهرجان المسرح العربي الذي أقيم بالشارقة، ومونودراما (إمرأة في الظلام).
لا يقف طموح حسين عبد علي، في مجال يخوضه، وكان آخرها فلمه الذي أخرجه، (الساعة 2:30 صباحاً) والذي طار به إلى مهرجانات أوربية، منها مهرجان كلكوتا ومهرجان جائزة السينموتوغارف الأوربية، ومهرجان العين السينمائي بالإمارات.
لا يهدأ حسين عبد علي، يترك أثراً في كل مجال يخوضه، فنان شامل كما يقال، متمكن، وأجزم أن تمكنه نابع من ثقافته التي جعلته يعمل بحرفية، ويبدع باقتدار.
يمكن زيارة حسابات حسين عبد علي هنا: