المعادلة الصعبة

0 311

زينب هداجي – تونس

الصحفي مجبور خلال عمله الصحفي الميداني على أن يتحلى بالموضوعية والحياد. عليه أن يكبت مشاعره، وأن يقف على نفس المسافة من كل الأطراف. وهو ما يجعل الشاعر داخله يختنق تحت مسمى المهنية. مهمة الصحفي الشاعر أصعب من غيره في تغطية الأحداث السياسية، وإدارة الحوارات بين الفرقاء السياسيين. عليه أن يضع جانبًا حساسيته وعواطفه وأن يقدم الحقيقة كما هي أي بأكبر قدر من الموضوعية. وهنا يختفي الشاعر الذي يقدم في عمله نظرة ذاتية العالم.

إن كان العمل الصحفي يحرم الشاعر من التعبير عن ذاتيته في معالجته للأخبار، فإنه يمده بملكة الحساسية العالية في أن يدقق في التفاصيل وأن يصل إلى بواطن الأشياء وهو ما يميزه عن غيره. الصحفي/الشاعر يستمد من فن الشعر طريقة مخصوصة في تقديم المعلومة للجمهور. بالإضافة إلى دقة الملاحظة التي يتمتع بها كشاعر يلج إلى أعماق الآخر فيكون عمله الصحفية على قدر عالي من مصداقية والشفافية.

أعتقد أن العمل الصحفي يمثل بمثابة منجم الأفكار للشاعر. كل تلك القصص التي يشتغل عليها يمكن أن تلهمه ليكتب. الشاعر في حاجة إلى أن يكون مع الناس وأن تلتقط حواسه ما يعيشونه ليكتب شعرًا صادقًا وقريبًا من الجمهور. خلال العمل الصحفي الميداني، نجده يغرق في عالم من الصور الشعرية التي قد لا يراها الصحفي العادي؛ بينما الصحفي/ الشاعر يسجل كل ذلك في ذاكرته ثم يسكبه شعرا على الورق بعد أن يكتمل بناء النص في ذهنه.

قد يجني الصحفي/ الشاعر القليل من الشهرة بفضل عمله عندما يصدر كتابًا، فيحظى ببعض اللقاءات الإعلامية للترويج لكتابه، وهو ما يعتبر مكسبًا مهمًا في ظل شح المنابر الإعلامية التي تستقبل الشعراء والمثقفين عموما.

لا يمكن أن نقول بأن الشاعر/ الصحفي يعيش حالة من الإنصاف بين الإثنين إذا حافظ على الحد الأدنى من المهنية، ولكن إذا كان الشاعر يعمل في مجال الصحافة الثقافية فإن إمكانية انزلاقه في الذاتية وعدم الموضوعية في تقييم عمل شاعر آخر قد تكون أكثر، وبالتالي لا بد أن يعتمد على معايير علمية في النقد الأدبي وأن يستمتع بما يكتبه غيره كقارئ أولًا وليس كشاعر حتى لا يقع في المقارنات الظالمة له ولغيره. ذلك يبدو لي معادلة صعبة، فالشاعر/ الصحفي يعيش دائما ذلك التمزق بين موضوعية العمل الصحفي وذاتية الكتابة الشعرية.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.