الناشر وإثبات الوجود

جدل - الناشر العربي

0 787

د. صفاء ذياب – دار شهريار – العراق

الدور الشابة والحصول على موقع

يجب علينا أن نفرّق بين مستويين من الناشرين، وهذه حقيقة علينا الاعتراف بها. هناك، الناشرون القدماء الذين عُرفَت دورهم في المعارض، وأصبحت أماكنهم حتى قبل التسجيل في المعرض؛ وهناك الناشرون الجدد الذين يحاولون شق طريقهم وسط هذه الغابة المكتبة في عالم النشر. نعم أقول غابة؛ لأن الصراع قائم حتى وإن كان غير ظاهر للعيان، صراع يتمثّل بوجوه عدّة، منها أن الكثير من دور النشر الرائدة لا تريد أن تفسح المجال أمام دور النشر التي برزت في السنوات القليلة الماضية، إن كانت في المعارض أو في الفعاليات التي تخص الكتاب بشكل عام. كذلك فيها، يخص استقطاب الأسماء المعروفة أو المهمة في الوسط الثقافي، فتلك الدور لديها خزين معنوي ومادي يمكّنها من استقطاب أي اسم؛ أما الدور الجديدة، فإنها تسعى لخلق أسمائها الخاصة، وتروّج لها قدر ما تستطيع لصنع موازنة جديدة في عالم الإبداع. لا ننسى أن تلك الدور ولدت بمراحل كان التمويل لصناعة الكتاب وتوزيعه في أعلى مستوياته، تمويل من قبل حكومات أو مؤسسات مدعومة من الحكومات أو جهات أخرى. هذا التمويل لم يعد موجوداً الآن للدور الجديدة.

وإذا ما قرأنا خارطة الكتاب العربي، فإن الانهيارات التي حدثت في الحكومات العربية منذ التسعينيات، مروراً بأحداث 11 سبتمبر، وصولاً إلى فترة الانهيار الاقتصادي مع مطلع الألفية الثانية، فسنجد الدور الرائدة بدأت تنهار معها، بل إن بعض الدور بقيت اسماً لا أكثر. غير أن ما جعل هذه الدور تعود بقوّة، بروز دور جديدة تعمل بشكل مهني، والكثير منها بتمويل ذاتي، من دون أي داعم؛ جعلت الدور الرائدة في مواجهة إثبات وجود، فعادت من جديد إلى الواجهة، والنماذج كثيرة، لاسيّما على مستوى الدور اللبنانية أو الليبية أو الخليجية حتى.

هذه الأسباب وغيرها لها وقع واضح المعالم على دور النشر، وهي من التحديات التي تواجه دورنا الشابة، فالحصول على موقع في أي معرض كتاب ليس بالهيّن، خصوصاً على مستوى المعارض الكبرى من جهة، والخليجية من جهة أخرى، فدار قديمة لها إصدارات تتجاوز الألف كتاب لا يمكن الوقوف بوجهها بدار جديدة لم تتجاوز مائة أو مائتي كتاب، حتى وإن كانت نوعية.

الانشغال عن الكتاب في معرض الكتاب

غالباً ما تكون الفعاليات المرافقة دعوة للجمهور للحضور والمشاركة، أو متابعة الحدث الثقافي الآني. غير أن تلك الفعاليات، ولكثرتها، جعلت الجمهور ينشغل بها أكثر من الكتاب نفسه. مثلاً، في أحد المعارض العراقية، حين جاء الكاتب المصري يوسف زيدان، التف الجمهور حول زيدان نفسه من دون الالتفات إلى ما متوفر من كتبه بالمعرض نفسه؛ وكان الأجدى بالمنظمين أن يهتموا بكتب زيدان وليس بالكاتب نفسه، لأن الفعالية خاصة بالكتاب.

وما يحدث أيضاً ببعض المعارض الخليجية، من التفاف الجمهور حول كاتب شهير، أوصل الأمر إلى زحام أجبر الكثير من العوائل على الخروج من المعرض، بدل الاستمتاع بالبحث عن عناوين جاؤوا لاقتنائها.

في حين نجد في معرض القاهرة السابق أكثر من 900 فعالية ثقافية، كانت أغلبها احتفاءً بشخصيات وليس بكِتاب، فلو وُظِّفت ربع هذه الفعاليات لتوقيع كتب هذه الشخصيات، لكان المعرض في أعلى مستوياته.

تفاوت الرقابة، وانعدام الفنية منها

بالنسبة للعراق، لم يعد للرقيب وجود، سوى الموضوعات التي تدعو للإرهاب والعنف، وحتى هذه الموضوعات لا تمنع في أثناء عملية النشر، بل حينما تعرض في المعارض المحليّة، وتكتشف بالصدفة. أما بالنسبة للمشاركات في المعارض العربية، فهناك معارض كثيرة، وعلى رأسها الخليجية، التي شكّلت لجاناً لفحص الكتب. الغريب، أن هذه اللجان لا تعرف من الكتاب إلا عنوانه والصورة التي توضع على الغلاف، وليس على محتواه الفكري. ففي أحد المعارض الخليجية، تنقسم اللجان إلى مرحلتين: مرحلة أولى لفحص الكتب بشكل سريع من أجل إخراج أكبر عدد من الكتب لبدء المعرض، وتبقى كميات كبيرة في المخزن لفحصها، كمرحلة ثانية، على مدى أيام المعرض. المضحك أن الكتاب نفسه يفسحون نسخاً منه، وتبقى نسخ أخرى يمنعونها ولا يسلمونك إيّاها إلا في اليوم الأخير للمعرض.

غير أن عدم وجود الرقابة الفنية؛ أدى إلى ظهور دور نشر لا هم لها إلا المردود المادي، فبدأت بطباعة أي كتاب يصل إليها، حتى لو كان هذا الكتاب من أشخاص لا علاقة لهم بالكتابة، أو ما ينتج في عالم الأدب والفكر؛ فضلاً عن أنّهم غير معنيين بالجانب الفني للكتاب، لذا لهم طرائق كثيرة لإصداره، أكثرها انتشاراً طريقة الاستنساخ و(الريزو).

المنافسة والمحافظة على مستوى الكتاب فنياً ومعرفياً

المنافسة بين دور النشر تبدأ من المعارض. الكثير من الدور تبحث عن العناوين التي يمكن أن تنافس بها الدور الأخرى، من خلال أخذ فكرة من المعارض السابقة، ومن ثمَّ تبقى العناوين التي يتم اختيارها للمشاركة في هذا المعرض أو ذلك، بحسب الدول التي تعرض فيها. مثلاً، هناك دول يبحث قراؤها عن الكتب التاريخية أو الفكرية أو الأدبية أو السياسية، وهكذا يكثف الناشر من إصدار هذا الكتاب أو ذاك ليعرضه في أحد المعارض، بل وصل الأمر لدى بعض دور النشر أنها تطبع وتترجم عناوين تهتم بتاريخ البلد الذي ستشارك فيه. هذا، بالنتيجة، ينسحب على نوعية الكتب، وتوجهات الدار التي تكون ربحية أكثر منها معرفية.

غير أن هناك دور نشر لا تهتم لهذا الأمر، ولديها خطٌّ تعمل عليه منذ بداية تأسيسها وحتى سنوات استمرارها. ربّما يؤثر هذا على مبيعاتها في معرض ما، غير أنها تشكّل لنفسها خطّاً تعرف به، ويأتي احترامها من هذا الخط.

صفحة شهريار على الفيسبوك

حساب دار شهريار على الانتسغرام

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.