هيئة التحرير – سماورد
المعرض زماناً ومكاناً
باستعراض سريع لجدول أبرز معارض الكتاب التي شهدتها الساحة العربية خلال العام الماضي (2019)، أُقيم سبعة عشراً معرضاً يمكن تصنيفها بالدولي. امتد المكان فيها جغرافياً من بحر العرب شرقاً (معرض مسقط)، إلى الأطلسي غرباً (معرض الدار البيضاء)، وما بينهما من أماكن، يتطلب اللحاق بها سرعة وخفة في تنقل للأفراد، وعمليات نقل سلسلة ومنسقة للمنتجات، ضمن مهل زمنية محددة. توزعت هذه المعارض على إحدى عشر دولة: ثلاثة معارض في الإمارات (الشارقة وأبوظبي والشارقة القرائي للأطفال)؛ ومعرضان في كل من: العراق (بغداد وأربيل)، والسعودية (الرياض وجدة)، ومصر (القاهرة، الشيخ زايد العربي)، وتونس (تونس، صفاقس لكتاب الطفل)؛ ومعرض واحد في كل من: عُمان، والكويت، والأردن، والسودان، والجزائر، والمغرب. في حين، أحتوى الجدول المقترح لهذا العام (2020) ثلاثة معارض غابت عن العام الماضي هي: الدوحة والبحرين والإسكندرية؛ مع غياب لبيروت منذ آخر دورة في العام 2018.
أما المكان (مساحةً) – المتفاوتة من معرض إلى آخر – عادة ما يعبّر عنه بأرقام تقاس بالأمتار المربعة، أو بعدد الأجنحة، أو بعدد العارضين. هذا التعبير رغم كونه رقماً محدداً لا يخلو من ضبابية عند محاولة التمعن فيه؛ فهو لا يعكس التواجد الحقيقي للكتاب العربي. هذه الأرقام يزاحم الناشر العربي فيها آخرون. هذا ما تؤكده تقارير لجنة المعارض العربية والدولية باتحاد الناشرين العرب. على سبيل المثال، شغلت مساحة معرض الكويت الدولي الأخير (18500) متراً مربعاً في ثلاث صالات: صالة لدور النشر العربية، وثانية لدور النشر المحلية والخليجية والأجنبية، أما الصالة الأخيرة للجهات الحكومية والرسمية، بالإضافة إلى تخصيص صالة للطفل على شكل خيمة. أما من حيث العارضين، كمثال آخر، فقد وصل عددهم في معرض جدة الدولي (ديسمبر 2019) إلى 700 عارض، كان ما يقارب (24) جناحاً لبيع الألعاب ليس لها علاقة بالوسائل التعليمية (لم يذكر التقرير العدد الكلي لأجنحة الوسائل التعليمية غير المرتبطة من حيث المبدأ بصناعة الكتابً). أيضاً، هناك الأجنحة التي يتم شغلها في كل معرض – وتمثل مساحة ليست بالصغيرة – من قبل الجامعات، ومراكز الأبحاث، والمراكز الإعلامية، والمنظمات الحكومية والأهلية – لها اهتمام متباين بالجوانب الثقافية والتراثية والفنية والاجتماعية – التي تتواجد لأهداف تثقيفية أو توعوية أو إعلامية. كما لا يمكن إغفال المساحات المخصصة لضيف الشرف التي دأبت أغلب الإدارات على إبراز حضوره والاحتفاء به خلال أيام المعرض. في مقابل ذلك، عدد العارضين المباشرين المتواجدين في المعرض، في بعض الحالات، ما هو إلا جزء من الرقم للعارضين التي تتواجد إنتاجاتهم فعلياً في المعرض، ولعل معرض الدار البيضاء (فبراير 2020) يمثل حالة واضحة لذلك، حيث شارك (703) عارضين منهم: (267) عارضاً مباشراً، و436 عارضاً غير مباشر.
من ناحية الوقت، امتدت فترة الانعقاد لأغلب معارض العام 2019 إلى (11) يوماً. كان أقصرها معرض أبوظبي (7 أيام)، فيما أمتد أطولها وهو معرض القاهرة لمدة (15) يوماً. هذه الأيام التي بلغ مجموعها تقريباً (190) يوماً توزعت على ستة أشهر فقط من السنة؛ لوجود فترة توقف منذ بداية شهر مايو إلى نهاية شهر سبتمبر، والجزء الأكبر من شهر يناير.
حسابياً، بالنسبة للعام 2019، كان معدل الانعقاد ثلاثة معارض لكل شهر (بواقع 32 يومياً تقريباً في الشهر). هذا يعني أن التداخل بين بعض أيام المعارض المختلفة أمرٌ لا يمكن الفكاك منه، لكن الأمر تجاوز التداخل إلى التطابق الكامل في المواعيد، كما حدث، مثلاً، بين معرضي بغداد والدار البيضاء. وربما يكون الوقت أكثر ضيقاً لدى عدد من الناشرين المهتمين بالمشاركة في المعارض الدولية خارج الوطن العربي، ووضعها ضمن جداولهم السنوية. وقد تجلت هذه الإشكالية، قبل عدة أشهر، حين قررت وزارة الثقافة السعودية تأجيل معرض الرياض الدولي الذي كان مجدولاً في شهر مارس 2020 إلى شهر الذي يليه (أبريل)، وذلك مراعاةً لموعد معرضي لندن وباريس اللذين كانا يتزامنان مع الموعد القديم. غير أنّ الموعد الجديد سيتقاطع مع مجموعة معارض عربية. أثار ذلك جدلاً، لدى شريحة عريضة من الناشرين العرب، تم رصد بعض صوره في المتابعة التي قام بها الزميل زكي الصدير في صحيفة العرب اللندنية.
خلال الفترة المخصصة لها، تحاول الكثير من الإدارات المنظمة إظهار نتائج الجهود التي بذلتها والمستمرة في بذلها طيلة أيام المعرض. هذه الجهود لها وجهان. الأول محاولة استثمار هذا الحدث في تنفيذ بعض خطط وأهداف الجهات التي تتبع لها هذه الإدارات من خلال تقديم العديد من البرامج والفعاليات المصاحبة. الوجه الثاني، ترى هذه الإدارات أن الجهود المبذولة المتمثلة في هذه البرامج المصاحبة لابد أنها ستوفر عناصر دعم وتقوية لهذا الحدث سينعكس إيجابياً قد يثمر نجاحاً لها وللمشاركين، وتضيف رصيداً لكيلهما. معظم أنشطة وفعاليات البرامج تُنفذ في الفترة المسائية من اليوم، حيث يبلغ عدد المرتادين ذروته، بينما ترى بعض إدارات المعارض الفترة الصباحية – ينخفض فيها هذا العدد بشكل كبير- فرصة لاستقبال الضيوف الرسميين، وتنظيم الزيارات الجماعية مثل تلك التي يتم ترتيبها للمدارس والمؤسسات التعليمية.
ما الذي يفعله الناشر خلال المعرض؟
لعله من المفيد في هذا السياق، قراءة الفقرات التالية من التقرير الخاص عن مستقبل معارض الكتاب، المعد في العام 2015 من قبل اتحاد الناشرين الدوليين (IPA):
“الوظيفة الرئيسة لمعارض الكتب (المهنية) هي خلق سوق للمتخصصين التجاريين. يتم فيها شراء وبيع حقوق الكتاب، حيث يعرض الوكلاء عناوين جديدة للناشرين. بشكل عام، يتواجد بائعو حقوق الكتب في معارض الكتب إما في منصات الناشرين أو في مركز خاص ببيع الحقوق، بينما يتحرك المشترون بين أركان المعرض لعقد الاجتماعات.
تُعرض حقوق الكتاب عبر صور مختلفة: إما على أساس حصري للمشتري المحتمل، أو إلى عدة مشترين بشكل متزامن، أو عبر مزاد. يتم إبرام عدد قليل من الصفقات وتوقيعها في معارض الكتب. أما غالباً، فيتم اتمام الصفقات التي تم مناقشتها مسبقاً قبل المعرض، أو يتم بدء صفقات جديدة تستمر متابعتها بعد الحدث. يعد معرض الكتاب محفزاً أساسياً يدفع لتسريع انجاز صفقات الحقوق.
معرض الكتاب هو أيضا (معرض)، تستفيد منه شركات النشر والجهات المرتبطة بصناعة النشر بنطاقها الأوسع (مثل الموزعين وشركات التكنولوجيا) لعرض علامتها التجارية ونافذة لمنتجاتها وخدماتها.
تحقق معارض الكتب هدفاً تعليمياً مهمًا للمتخصصين في تجارة الكتب؛ تجعلهم على اطلاع بالاتجاهات الرئيسية من خلال الندوات وحلقات النقاش والعروض التقديمية. كما تقدم أيضًا مجموعة من الأنشطة من شأنها تسهيل وبناء شبكة العلاقات.
العديد من معارض الكتب موجهة لجذب أعداد كبيرة من الجمهور العام (خارج المشتغلين في صناعة النشر). هذه المعارض تمثل منصة للمبيعات و/أو التسويق، واتصالات مهمة للناشرين. يشارك المؤلفون في المناسبات العامة وكثيرًا ما يكون الزوار قادرين على شراء الكتب بخصومات خاصة.
بعض المعارض ينحصر حضوره للمشتغلين بتجارة الكتب، وبعضها مصمم لعامة الجمهور، والبعض الآخر مزيجاً منهما، غالبًا ما يقسم المعرض إلى أيام مهنية وأخرى عامة. في معرض فرانكفورت، على سبيل المثال، الثلاثة أيام الأولى تكون أياماً للتجار، بينما يحضر الجمهور اليومين الأخيرين.”
وقد أعاد الاتحاد ادراج هذه الفقرات أيضاً في المقدمة الخاصة بالتقرير العالمي لمعارض الكتاب 2017.
المعارض العربية والإشكاليات
أما المعارض العربية، والمصاعب والاشكاليات التي تكتنفها، فقد تم مناقشة بعض أوجهها في أكثر من محفل، ونشر ما يتعلق بذلك عبر أكثر من منصة إعلامية. منها على سبيل المثال مؤتمر الناشرين العرب الرابع الذي عقد يومي 9-10 يناير 2018، بعنوان (الكتاب والنشر فى الوطن العربى.. الواقع والآفاق). خلال هذين اليومين، جرت نقاشات وحوارات تضمنت 8 محاور، بمشاركة عربية ودولية، بستة وأربعين متحدثاً. في المحور السابع، المخصص للمعارض العربية، قدم الأستاذ سعد العنزي، مدير معرض الكويت الدولي ورقة عمل بعنوان المعارض العربية وأثرها في حركة النشر في الوطن العربي، ألقت الضوء على أهمية اقامة معارض الكتب و تأثيرها على صناعة النشر والتحديات التي تعيق قيامها بدورها الداعم للناشرين بالوطن العربي. أيضاً، يمكن الإشارة هنا إلى جلسة الحوار المفتوحة على هامش معرض جدة (ديسمبر 2015)، التي تناولت متاعب معارض الكتاب، وأدارها الإعلامي الراحل عمر المضحواي. تناولت الجلسة بعض أوجه حال الكتاب العربي بشكل عام، وما طرأ عليه من تحولات، بمشاركة عدد من المتخصصين في صناعة الكتاب تأليفاً وطباعة ونشراً وتسويقاً، كما شارك فيها عدد من الإعلاميين والمهتمين بشؤون الكتاب، وأعد مدير الجلسة – رحمه الله – تقريراً حولها قبل يوم من وفاته، لينشر لاحقاً في مجلة القافلة.
هذا الملف، الذي تضعه سماورد بين يدي القارئ، هو محاولة لتسليط الضوء على بعض الإشكاليات التي ترافق انعقاد معارض الكتاب في البلاد العربية، من وجهة نظر الناشرين العرب حصراً، وخصص له المحاور التالية:
- أهم التحديات التي تواجه الناشر العربي قبل وأثناء المشاركة في معارض الكتاب، وربما بعدها.
- يلاحظ أن أغلب معارض الكتاب تتحول إلى مهرجانات تكتظ فيه الفعاليات لحدّ الازدحام ويختلط فيها الثقافي والإعلامي/الإعلاني والتسويقي وبصور مختلفة. ما مدى تأثير هذه الفعاليات، التي من المفترض أن تكون مصاحبة، على دور وأداء الناشر المفترض أن يكون هو الشريك الرئيس في المعرض.
- هل مازال دور الرقيب فاعلاً، قد يفرض على الناشر إجراء ترتيبات معينة مثل اختيار أو استبعاد بعض (العناوين) حين التوجه إلى معرضٍ ما. هل كانت التجارب في هذا الجانب لنفس المعرض في دوراته المختلفة متوقعة أم حملت بعض التغيير سواء سلباً أو إيجاباً.
- هل مكان انعقاد المعرض يحفّز الناشر على المشاركة بمستوى أعلى أو يدفعه إلى تحجيم المشاركة؛ وهل تنعكس طبيعة الإصدارات المستهدفة من حيث الجنس الأدبي أو الفكري منها ومن حيث أسماء المؤلفين وتوفير عدد النسخ منها تبعاً للموقع أيضاً.
هذه المحاور تم عرضها عدد من الناشرين العرب لاستجلاء رؤيتهم وتجربتهم حيالها، وهم يمثلون عينة تعكس تنوعاً من النواحي التالية:
- بداية الانطلاق: تباينت الفترة الممتدة منذ بداية الانخراط في صناعة النشر ما بين نصف قرن من العمل، إلى السنوات المعدودات منذ بداية الانطلاق.
- التأسيس: بعضها بدأ التأسيس فردياً رغم ما يتطلبه ذلك من مشقة وجلد؛ أو بالتقاء أفراد جمعتهم رؤية أو أهداف اتفقوا على تحقيقها عن طريق النشر؛ أو مجموعات ثقافية قائمة بالفعل لديها مشروعاتها، وارتأت أن الاتجاه إلى النشر سيحقق أو يوسع بعضها؛ أو كان الإنشاء وفق المفهوم المؤسسي بما يتضمنه من سياسات وخطط وأهداف، وهيكل تنظيمي محدد الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات.
- مقرات الإدارة: أغلبها تعمل إداراتها في دولة عربية تأسست فيها، ومنها ما توزعت إداراتها بين أكثر من دولة، وبعضها اضطرتها الظروف إلى انتقال إدارتها من موطنها إلى دولة عربية أخرى، والبعض الآخر تم تأسيسه في بلاد (الاغتراب) خارج الوطن العربي.
- التعاون مع الناشرين الآخرين: تفاوت مستوى التعاون بين العمل بشكل مستقل تماماً، أو التنسيق والتعاون في مجالات محددة مثل التمثيل في المعارض أو التوزيع ضمن نطاق جغرافي؛ والبعض ارتقى بمستوى التعاون إلى نشر إصدارات مشتركة تحمل اسماء أكثر من ناشر؛ بينما ذهب آخرون إلى تعميق التعاون بالشراكة العضوية مع جهات نشر عربية أو دولية للاستفادة من الخبرات ونقاط القوة لدى بعضها البعض.
لا شك، أن هذا التنوع ينعكس على التوجه والمستوى والفاعلية للمشاركة في معارض الكتاب المختلفة؛ وبالتالي قد تتشابه وقد تختلف محصلة التجارب الناتجة عن هذه المشاركات في بعض أوجهها بين ناشر وآخر. وذلك ما يستطيع القارئ ملاحظته من خلال شهادات التي تضمنها هذا الملف.