غدٌ يحاول الوفاة

إلى الكبير الشاعر الراحل مؤقتا مظفر النواب الذي راوده شغف الغياب حتى أشعارٍ أُخر

0 414

صمتَّ خيولا والقصائدُ أرجلُ
فعن أي أفواه المسافاتِ ترحلُ؟
ولم تمسحِ الأحزانُ من خدك القرى
لتكمل منفىً في المناديل يُسبلُ
إلى أبدٍ تحت الشفاه مددتَهُ
خرجتَ وراءَ الخلدِ والموتُ يدخلُ
وأخَّرَكَ الظلُّ الذي زاد مولدًا
عن العمر ما لم يقترحه التشكلُ
تربي من اللحمِ الضبابيِّ قامةً
مدججةً أضعافَ ما المحوُ أعزلُ
وتعجن من هدمِ النهاياتِ قمةً
وتخبز من موتٍ خطى تتوغلُ
قطعتَ بأسرابِ التجاعيدِ مَلمحا
فكل ينابيعِ المرايا تهرولُ
تجولتَ حلمًا تستظلُّ بمقلةٍ
بلادًا بلا ثغرٍ ومنفىً يُقبِّلُ
وحكتَ شفاهًا من حطامٍ وجثةٍ
فلا بد أن يصغيْ بسقفيكَ مِعولُ
فأي احتضارٍ لم تطله كنايةً
وأي مَنايًا في القصاصاتِ تصهلُ
طيوفك تسقي الدمعَ إبريقَ غصةٍ
ويجهض ماءٌ بينما الدمعُ يحبلُ
تهاجرُ عن جفنيك، ظلُّكَ نائمٌ
على وردةٍ تنمو حفاةً وتذبلُ
وتنجب أوطانا من الحبر لم تصل
لها طلقةُ الإجهاض فالصوتُ أرملُ
فيا ناطقا باسم الضياعاتِ للظما
بمؤتمرٍ فيه المواويلُ تسألُ
سيسفر عنك الأفقُ ريقًا معلقًا
ونورسُهُ عما يغيبُ مؤجلُ
وتطفو على مضمار حبرك حدوةٌ
وحافرُها بين الغياباتِ يَفصِلُ
لأنك وادي الدمعِ كانت جبالُهُ
قوافيك والطوفانُ يعلو فيفشلُ
بكفك نسرٌ والعناوينُ تارةً
تخط به ريحًا وأخرى تؤولُ
فما زلت مشغولا على النص تنحني
عراقًا وما للقبرِ إلا التطفلُ
دخولا خروجا ها هو البابُ يحتسي
نوايا فارشاتٍ، بمسراه يُقفَلُ
تعكزتَ شعرا قال موسى هي العصا
وقلتَ هي الأفعى فحار التحولُ
بلادك آثارُ الخطى وبلادها
بأنك تخفى كالبلادِ وتمثُلُ
رفعتَ سِتارَ الوقت من كل بصمةٍ
فخمَّرَ ساقَيها رحيلٌ معطلُ
ألا فاسكب الأقدامَ فالكأسُ لم تصلْ
لطعم جهاتٍ من ثوانيك تُغسَلُ
إلى كل ترحالٍ سفكتَ وصوله
فأسرعَ ميزابٌ وأبطأَ منجلُ
سقتْ قدماك الأفقَ والعمقَ مشيةً
يكرِّرها أنَّ المجراتِ تُركَلُ
وُصولان ضدان استحما بخطوةٍ
وغيمُك بالأثوابِ للطينِ يهطلُ
تمارسُ دورا شدَّ عن مسرح الدمى
فأفصح في حظر الكلام التجولُ
كشيخٍ من الأمطار يغدره الظما
تعكز بالصحراء غيمٌ مرملُ
مناديلك الأسفارُ معصورة الخطى
متى يلتقيك النخلُ والدمعُ أرجلُ
كلامك للمرآة حانةُ قريةٍ
وجفنك أحيانا زقاقٌ مُكَحَّلُ
صمتَّ صبايا والفساتين غابةٌ
عصافيرها حباتِ صوتكَ تأكلُ
متى تفرُغُ البلدانُ من غرف غمزةٍ
لتفرغَ من عينيك كرخٌ وموصلُ
فرغتَ من الأيدي شراعا وضفةً
ومارستها واللثمُ بحرٌ مكبلُ
فضضتَ بكاراتِ الغدِ، العرسُ ما انتهى
لما لم يحن بعدُ الذي حانَ محفلُ
تأخر عنك الموتُ ما بعد قفزةٍ
على سوره كعباك أعلى وأطولُ
غروبٌ وفي شريانك الشمسُ قطرةٌ
تُغرغِرُ والإشراقُ لحنٌ مسجَّلُ
توسدتَ “لا” في القبر والتيه والندى
على صهوةٍ لا النعشِ أين الترجلُ
أهال سروجًا فوق لحدك دافنٌ
فلا بد من ركضٍ عناه التسللُ
مزيدا من المنفى، سِفاحٌ مضاعفٌ
مثولُكَ والقبرُ، المخاضاتُ منزلُ
فمن أي ثقبٍ جاءك الموتُ بينما
أحاطك من كل اقتحامٍ تخيُّلُ
على حبرك العملاق للبابِ ينحني
ستخرجُ من درجٍ سماءٌ وتدخلُ
ويحرس غار الشعر نسلُ حمامةٍ
لُعابيةٍ للأغنياتِ يظللُ
إلى الآن لم يمسسك آخرُ مشهدٍ
ستائرُ من قطن الخطى كيف تسدلُ
تُحطمك الأضلاعُ تشييدَ سلمٍّ
على أسقفِ النبضاتِ والشهبُ تَعملُ
وإن هيَ إلا صفحةٌ قبل صفحةٍ
دُفنتَ بديوانٍ وموتك مهملُ
إلى أين هل من وجهة لم تكن يدًا
وليست عليها نجمةٌ تتسولُ
خيوطك من نسج الشفاه معاطفٌ
على جسدٍ لم يستعده التأملُ
وما دار في بال الكلام بأن يرى
نوافذه للمستحيلات تنخلُ
وفي كفك البلدانُ أقلامٌ اختفى
سطورًا لمن لا يستريحُ التنقلُ
بلى يذعنُ التابوتُ للشعر صفحةً
لتكمل ما بروازه ليس يكملُ
كأني بقبر من موسيقىً ومن صدىً
به يُرْقِصُ الموتى الغناءُ المرتلُ
تُوزِّعُ أجسادا على كل نغمةٍ
نشيدَ وقوفٍ للتوابيتِ يشغلُ
فقل إنما هندامُ خلدٍ وياقةٌ
وإطلالةٌ منها القواماتُ تهطلُ
سهادٌ على جفنٍ من الشعرِ للرؤى
وحلمٌ على تلك الجنازةِ يُحملُ
عراقيلَ ظلٍّ والتفاتٍ مُكحَّلٍ
بأنهار رمزٍ دُرْجُ عمرك مقفلُ
لأنك في كل اختصارٍ حمامةٌ
ترددها الأعشاشُ والريحُ والعُلُو
لأنك مما يقرأ النهرُ نشرةً
مباشرةً مثواكَ صوتٌ مبللُ
أيا جرحك النائي ضمادُكَ أنجمٌ
نزفت ونزف الأبجدية يقتلُ
وهاجمتنا من كل مرمى كسولةٍ
وحارسها عن وعي كفيك يفشلُ
فمر دويٌّ من رئات وأضلعٍ
لينبت لحمًا تحته الناسُ هيكلُ
بقطرة كونٍ هل تزودت إنما
وقوفك من غَسلِ المجرة جدولُ
خطابك للموتى قديمٌ مكررٌ
ودورك في كل المحافل مقبلُ
أيا قاربا يطفو على ريق طفلةٍ
من الغد كي يجتاز مرًّا قرنفلُ
ختامُك أن يُنفى الختامُ لدمعةٍ
على خدِّ وقتٍ لم يحِنْ تتنزلُ
أ
قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.