لستُ في مكان … أنا المكان

0 646

مهدي سلمان – البحرين

الانتحار رجل

عجوز قليلاً، لكنه مستفز بطريقته

غالبا، لن تريه

إلا منحنيا، ويعقد خيوط حذائه

غالباً، سيرفع رأسه

ويواجهكِ بابتسامة مشطوفة

حين تكونين قد أطلتِ التحديق فيه

وكذلك سيعود لربط حذائه

وأنت ما تزالين متسمرة أمامه

الانتحار رجل

تقصده نساء مثلك، لا ليمتن

أو يشتكين الحياة

لا ليشربن معه شاي الملل

ولا ليعطينه رسائل كتبنها

دون سبب للا أحد

إنما، وهذا احتمال فقط

أنهن يعتقدن، أنه مستعد

ليمشي طويلا

بحيث يختفي، في البعيد

بحيث يصير مجرد نقطة سوداء في

عين أغمضت توّا

الآن وقد فرغ من ربط خيوط حذائه

الآن، وقد انتصب..

لكنه مثل كل شيء حولهن

محني، ويربط كل الأشياء ببعضها

ولا يرفع رأسه

إلا ليبتسم.

 

دون أن أنظرا

دون أن أحفرَ

الجانبَ الغائرَا

من تلفت روحي لآخرها

دون أن تتحسّسَ

كفاي ما في الصدى من حوائطَ،

ما في فم الغيبِ من لعنةٍ،

فيكِ من أرنبٍ يحضنُ الحذرا

دون أن أتحدّثَ، أخفضَ رأسي

أمزّقَ ما بين نابيَّ هذا الكلامَ

الذي لا يُباعُ ولا يُشترى

 

دون أن…

لا أرى

 

نظراتي عمىً واسعٌ

وعيوني سوادٌ يحيطُ ولا ينتهي

وشرودي أظافرُ يشهرها

في صرير الظلام السديميّ

من حوصِرا

 

لا أرى،

لا الظلالَ على رعشةٍ في سؤالكِ

لا ما يضيء وراء انتباهك

لا ما تكوّر مني عليّ أرى

 

إن رأيتُ،

فليس الذي يستريحُ

على ليل هذي العيون السجينةِ

في حزنها

قمرا

إنما

إبراً، إبراً، إبرا

 

هل رأيت أحداً يبكي بحرقة، متجاهلاً كل ما حوله، متوغلاً في ذاته، هل سمعت نشيجه، عويله، أنغام أنينه الغريبة، التي لو أصغيت لها، دون سواها، لرأيت نفسك طائراً يحوم حول جبل بعيد، أو ذئباً يتشمّم رطوبة البريّة..

هذه الأنغام الحزينة للأحد الباكي.. هذه الموسيقى المجهولة، والنشيج الحائر، هو الشعر، منه فقط، بدأ كل الشعر، منه فقط، بدأت كل الفنون، لذا.. حين تصغي لبكاء متقطع، قف بخشوع المصلّي، لا أمام الفقد أو الحزن فقط، بل تذكّر أنك تقف أمام اللحظة الفارقة التي صنعت الإنسان، اللحظة الفارقة التي غيّرت كل شيء، وإلى الأبد.

 

إنني لست في مكان، لدرجة يمكنني معها التصور أني أنا المكان، مكان أفلت من وهم الثبات، فصار يشعر بحركته، وصار ما فيه يشعر كذلك بحركته، لو أن البشر شعروا بحركة الأرض، أي رعب كانوا سيعانونه، كراكب قطار أفعواني، لا يتوقف، أنا المكان، ومشاعري ركاب القطار الخائفون..

 

تحاول هذي الحمامة أن تستريح

على حجرٍ فوق كتفي

وتهرب حين تراه تحرّك

– «ما باله لا يقرّ على الأرض

هذا الضريح»؟

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.