هاتف منتصف الليل 

0 434

لينا شباني – لبنان

الثانية عشرة منتصف الليل، وقبل أن أغلق هاتفي لأخلد إلى النوم، وإذ به يرن فأفزعني. لا، بل أفجعني، فقد خُيّل لي للحظات، أن وراء رنينه في هذا الوقت من الليل، كارثة ما! فتحتُ الخط متهيبة، وقلت: الو… وإذ بالخط يُغلق في وجهي. أطفأته ولجأتُ إلى السرير.

أطلت إغفاءة مغلفة بوسوسة شيطانية، ماذا وراء هذا الهاتف الصامت؟!

هل هي صبية تهاتف حبيبها؟… فأجابها صوت امرأة! حسناً ماذا لو اعتقدت أن حبيبها يخونها!؟… سيتشاجران، وقد ينفصلان بسبب همسة “الو”.

ماذا لو كانت سيدة ما تهاتف زوجها الذي تأخر في العودة، يا إلهي… ستعتقد أن زوجها يخونها!… هل تطلب الطلاق منه بسبب همسة “الو”!؟

هل أحاول الاتصال لأتأكد وأنفي التهمة عن رجلين لا أعرفهما؟ لكن ماذا لو اعتقدت المرأة أن عشيقة زوجها، تحاول أن تعيد الاتصال به؟! لا… لن أخاطر، لأزيد طين الشك بللًا في عقل أنثى متلهفة على حبيبها، أو عقل زوجة قلقة لتأخر زوجها.

حسناً… أغمضي عينيكِ، ولا داعي لكل هذه الهواجس، إنها مجرد رنة هاتف.

وقبل أن أغفو مجددًا، طرق الوسواس باب عقلي وهو يبتسم بخبث شيطاني، ماذا لو كانت هذه استغاثة إنسانٍ ما، قد هاجمه مجرم، وها هو قد قتله قبل أن يُطلق نداء الاستغاثة؟!!!

يا إلهي هل أتصل بالقوى الأمنية؟

لا… سيعتقدونني مجنونة. وغدًا صباحًا حين يكتشفون الجريمة، سيجدون رقم هاتفي مسجلًا كآخر اتصال!! فبماذا سأبرر حينها اتصالي في وقت متأخر من الليل برجل – أو امرأة- لا أعرف/ها؟! وإذا قلتُ الحقيقة فهل يصدقونني؟!

كلما حاولتُ أن أبعد الأفكار عن رأسي، كانت تهاجمني المخاوف والهواجس، فقضيتُ ليلي بين براثن الأرق والقلق، وأنا أضع ألف سيناريو يُفسر هذا الهاتف.

يبدو أنني أخيرًا غفوت، أو لعله أغمي عليَّ من طول السهر، فقد فتحتُ عينيَّ لأجد أن الساعة قد تجاوزت التاسعة صباحًا بدقائق. انتصبتُ جالسة في سريري، وقد تذكرتُ ما حصل البارحة. فتحتُ هاتفي بيد ترتجف، وكأنه قنبلة موقوتة ستنفجر في وجهي.

بدأت الرسائل ترن من جميع جهات مواقع التواصل الاجتماعية. إلى أن وصلتني رسالة على “الواتساب” من رقم أجهل صاحبه. كانت رسالة أطول من المعتاد. قرأتها وأدرينالين القلق في دمي ينخفض رويدًا … رويداً…

“أعزائي أصحاب هذه الأرقام…

اكتشفنا اليوم صباحاً أن طفلنا ذا السنوات الخمس قد لعب بهاتف والده ليلًا واتصل بالعديد من الأرقام. ولأن توقيت الاتصالات كان بُعيد منتصف الليل، وهو موعد نوم الكثيرين هذا إن لم يكونوا خلدوا للنوم قبله، فيهمنا نحن والديّ الطفل أن نستسمحكم عذراً على الإزعاج الذي حصل.

سامحونا رجاءً”.

تنفستُ الصعداء، وضحكتُ بهستيريا: “رنة هاتف” تتسبب بليلٍ طويل من الأرق والقلق.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.