أفلام مهرجان أفلام السعودية وصناعة سينما سعودية..الدورة التاسعة تطورت كما وكيفا

ورشة فن - سينما

0 1٬436

عباس الحايك – القطيف

أكدت الدورة التاسعة من مهرجان أفلام السعودية التي اختتمت يوم 11 مايو في الظهران، أن التجربة السينمائية وصناعة الأفلام في المملكة تسير بشكل صحيح نحو تأسيس فعل حقيقي ومتواصل وخلق سمة سينمائية لما يقدمه صناع الأفلام، خاصة مع الدعم الكبير لصناعة الأفلام من قبل جهات حكومية وخاصة. ولكن تظل المشكلة التي لم تتخطها الأفلام السعودية رغم إمكاناتها، وهي الموضوعات المطروحة وطريقة معالجتها، أو بالأخص مشكلة السيناريو الذي ما زال يراوح مكانه ولم نلحظ تطورا فيه بالمجمل، هذه الملاحظة استقيتها من عروض الأفلام ومن السيناريوهات ايضا التي قرأتها خلال تحكيمي لمسابقة السيناريو غير المنفذ في المهرجان، وفي هذا المقال سأقدم قراءتي للأفلام التي شاهدتها في المهرجان.

خلال الثمانية أيام شاهد جمهور المهرجان 78 فيلما توزعت على 7 أفلام روائية طويلة، و28 فيلما روائيا قصيرا خضعت للتحكيم، و17 فيلما وثائقيا، و18 فيلما خليجيا، و28 فيلما موازيا لم تخضع للتحكيم. عدد كبير من الأفلام التي تنوعت وتباين مستواها، فحتى الأفلام الموازية كان بعضها افلاما جيدة تستحق المنافسة، حيث تجلى في صناعة هذه الأفلام الوعي السينمائي عند صناعها، وإدراكهم لمفهوم الفيلم السينمائي. وقد بدأت مشاهداتي بفيلم الافتتاح (سليق) الذي اختارته اللجنة المنظمة ليكون فيلم افتتاح هذه الدورة، وحسنا فعلت اللجنة، حيث شاهدنا فيلما مشغولا بعناية، نفذته مخرجته ومؤلفته أفنان باويان بتقنية الستوب موشن، فشاهدنا تفاصيل حياة الجدة الوحيدة والتي تعيش في حي يغلب عليه التنوع العرقي، وهو نموذج لحي من أحياء مكة أو جدة، حيث التنوع والتعايش الذي بينته لنا باويان من خلال فيلمها الذي أتقنت فيه تصميم تفاصيل المعمار الحجازي حيث الرواشن والأزقة والبيوت القديمة وبساطة الحياة. الفيلم قصير، ولكنه مليء، مزدحم جماليا بالألوان والأشكال والمشاعر. الفيلم يظل في ذاكرة كل من شاهده، إذ نجحت مخرجته في أن تقدم حكاية بسيطة، ولكنها حكاية عميقة، بتقنية تحريك ابدعت فيها.

شاهدت فيلمين طويلين من ضمن الأفلام المشاركة (أغنية الغراب) للمخرج محمد السلمان و(عبد) للمخرج منصور أسد، هما أول فيلمين روائيين طويلين لكلا المخرجين، وفيلم السلمان هو المرشح الرسمي للسعودية في جوائز الأوسكار 2023، والفيلم رغم واقعية حكاياته، إلا إنه قدم بجانب واقعيته بقالب فانتازي أيضاً، وتدور حكاية الفيلم حول “ناصر رجل بسيط وساذج، لديه ورم في الدماغ، يلتقي بفتاة غامضة ومختلفة عن كل شئ يعرفه؛ وسرعان ما يصبح مفتوناً بها ويحاول الوصول إليها، بأكثر الطرق إغراءً … أغنية” حسب ما ورد في دليل المهرجان، وبداية نجح السلمان في اختيار ممثليه، حيث قدم بطل الفيلم عاصم عواد أداءً مقنعا واستطاع بتقمصه أن يضحكنا كجمهور ويحرك مشاعرنا، بأداء عفوي بعيد عن التكلف، حيث استخدم كل مفردات الأداء ليقنعنا بشخصيته التي أداها، لغة جسده، مظهره وملابسه، صوته وبروده، كلها كان تفصيلات قادته لأن يحقق جائزة افضل ممثل في المهرجان، وقادته أيضا لإعجاب الجمهور. عاصم ليس وحده هنا، فحتى إبراهيم خير الله الذي يقدم في كل عمل شخصية جديدة، فهو ممثل متنوع لا يسكن على أداء إذ يقنعك بشخصيته، قدم ثنائية ظريفة مع عاصم، وعبد الله الجفال أيضا بدا مناسبا للدور ومتمكنا منه، فخلفيته المسرحية أسعفته في أداء الدور بكل ما فيها من اضطراب. الصورة السينمائية عند السلمان أنيقة جداً، صورة مشغولة بعناية، فمهما تغيرت مواقع الأحداث لا تفلت أناقة الصورة منه، هو يرسم مشهدية عالية خاصة في المشاهد التي مزج فيها الواقعي بالفنتازي. أرى أن هذا الفيلم هو الأكثر جدارة للحصول على جائزة أفضل فيلم روائي طويل لنضجه الفني وتكامله.

الفيلم الآخر الذي شاهدته كان (عبد) وهو الفيلم الذي اقتنص جائزة النخلة الذهبية لأفضل فيلم روائي طويل، وهو فيلم يدور في قالب خيالي كوميدي، حول تأثير السوشيال ميديا والعادات والتقاليد على حياتنا الاجتماعية وأثرها على العلاقات، حيث تمحورت حكاية الفيلم حول زوج وزوجته (زياد العمري وخيرية أبو لبن التي ترشحت للنخلة الذهبية لأفضل ممثلة) والأب وابنه (محمد علي وفهد المطيري)، يملك الأب وسيلة للعودة للماضي لتصحيح الأخطاء، رغم محاولاته الحثيثة إلا أنه لم يتمكن من تصحيح علاقته بابنه وفي نفس الوقت لم يفلح أيضا الزوج من تصحيح الأخطاء المتكررة التي تسببت له بالمشاكل الاجتماعية، عن طريق بلع كرة زجاجية تعيده لآخر 48 ساعة سابقة، تلك الأخطاء ظن ان ارتكبها في تصويره لفيديو له ولزوجته ليحصد الإعجابات والشهرة، ولكن الناس يقرأون ذلك الفيديو بشكل مغاير فينقلب عليه، وفي كل مرة يعود بالزمن ليصحح الخطأ كما يعتقد يقرأ الناس ما فعله كخطأ آخر، فالناس يبحثون عن الأخطاء مهما فعلنا. أستطاع منصور أسد أن يصنع فيلما كوميديا خفيفا ولكنه لم يخرج من عباءة أفلام تلفاز 11، هكذا شاهدته، فهو يقترب منها بشكل كبير، فالقالب هو ذاته، ثيمة أفلام الخلاط، وليس في الأمر عيبا طبعاً، كون أفلامهم شكلت ثيمتها الخاصة، ولكن كنا ننتظر فيلما بثيمة مغايرة خاصة مع إمكانات منصور أسد ومدير تصويره حسين سلام الذي برع في صياغة مشهدية الفيلم البصرية.

وضمن الأفلام من الأفلام القصيرة المميزة التي شاهدتها (شارع 105) وهو فيلم بوليسي للمخرج عبد الرحمن الجندل، يحكي عن ما يواجهه رجال الشرطة من مخاطر، مركزا على شخصية العسكري مروان الذي أداه ببراعة مهند الصالح، ومشاعره المتضاربة بين الواجب وبين الخشية من مصير زميله الذي استشهد مرافقا له، مشاهد المطاردات في الفيلم نفذت ببراعة، وأرى أن الفيلم يمكن أن يكون مشروعا لفيلم روائي طويل خاصة وأن مساحة الشخصيات وحكاياتهم يمكن أن تغذي الخطوط الدرامية للفيلم وألا يقتصر على موقف واحد يضعنا في حالة تساؤل حول الشخصيات وحكاياتها التي لم نشاهدها. ومن الأفلام أيضا (شدة ممتدة) للمخرج سلطان ربيع، والذي أبدع فيه أيمن مطهر في تقديم شخصيته التي أخذنا من خلالها لمعاناته للحصول على فرصة النوم، فكل محاولاته تبوء بالفشل، كلما غفا، أفسدت غفوته. الفيلم مصنوع بروح طريفة عالية جداً، حتى الموسيقى وثيمة الألوان كانت عناصر عززت من جمالية الفيلم البسيط في فكرته، والذي قدم لنا سيل من المعاني في فيلم قصير طريف جداً، وهو أبسط توصيف لما شاهدناه. الفيلم الآخر الذي شاهدته كان (كورة) لزياد الزهراني الذي يحكي عن ورطة طفل فقد كرته في بيت مليء بالأسرار، في الفيلم طفلان وريم الحبيب وإبراهيم الخير الله اللذان فقدا طفلهما فأصيبت الأم بحالة نفسية جعلتها تتخيل كل طفل هو طفلها الميت، أجمل ما قدمه الفيلم هو ذلك الأداء الصادق لريم الحبيب وابراهيم الخير الله، فقد كانا يتباريان في حلبة أداء وتمكنا فعلا من إقناعنا وإثارة مشاعرنا كمشاهدين، بالترافق مع حالة التشويق التي صنعتها أحداث الفيلم. بينما (يا حظي فيك) لنورا أبو شوشة لم يتمكن من تقديم ما يقنع، الفيلم سقط في فخ الثرثرة والحوارات والأداء البارد والنهاية غير الواضحة، فيلم مشكلته الأولى كانت السيناريو كغيره من العديد من الأفلام.

وشاهدت أيضا فيلم (المدرسة القديمة) للمخرج عبد الله الخميس، وهو فيلم كوميدي عن بتال الذي عاد لعمله بعد اشهر غياب ليجد كل شئ تغير، فصارت الانجليزية هي اللغة الرسمية في مقر العمل وصار مختلطا وهو الذي لم يعتد على التعامل مع المرأة، هذا الصراع الذي خلق المفارقات الكوميدية التي وفق فيها صناع الفيلم، فالفيلم ركز على الحكاية ومجرياتها وعلى الأداء أكثر من التركيز على صناعة صورة سينمائية متكلفة، فالبساطة صنعت فيلما لطيفا جدا. ومن الأفلام، الفيلم الفائز بجائزة أفضل فيلم روائي قصير، (ترياق) للمخرج حسن سعيد، والذي يدور حول مغن يفقد صوته بسبب المرض، لكن يجد أن طفلا يملك صوته الذي كان يسجله على جهاز التسجيل ليعوضه عن فقده، أدى دور المطرب الفنان السعودي عبد الناصر الزاير الذي شكلت مشاركته في الفيلم حدثا مهما، خاصة وهو الممثل الذي شكل ذاكرة طفولة جيل. الفيلم كان متفوقا على مستوى الصورة التي أبدعها حسن المدلوح، ولكن ورغم الاحتفاء بالفيلم من قبل لجنة التحكيم وشريحة من الجمهور ايضا، إلا أني أشكل على سيناريو الفيلم الفجوات التي شابت بنيته الدرامية ومنطقية العلاقات ومبررات اختيار الشخصيات، فالطفل مثلا كانت علاقته بالمغني والذي اتكأ عليها سيناريو الفيلم غامضة ولم تكن واضحة، من يكون بالضبط، وكيف يتسلل ولماذا يتسلل لتسجيل الأغاني، ولماذا اختار السيناريست أن يكون ابن المغني رادودا (منشداً)، وهو الذي وصلنا من خلال حوار دون أي أثر فعلي، فلم نسمع ما ينشده هذا الرادود مثلا لتأكيد هذا الاختيار، ولتأكيد هذا التنوع الذي لم نلحظه بشكل جلي في الفيلم الذي اختار أن يلعب على المتناقضات.

المهرجان في كل دورة من دوراته يدفع بالمشهد السينمائي للأمام، ويكون منصة فعلية لإكتشاف مواهب تكبر وتنضج، وهذه الدورة أيضا كانت منصة اكتشاف لمواهب سينمائية وضعها المهرجان على السلمة الأولى. هو مهرجان نوعي بكل تفاصيله، بمسابقاته، بسوق انتاجه، بورشه وبضيوفه، مهرجان يكبر ويتجذر. فحتى تلك التجارب التي لم يكتب لها الفوز بنخلاته الذهبية، هي تجارب فازت بمجرد أن اختيرت لتكون ضمن عروض المهرجان.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.