أهمية الكتابة المسرحية

ورشة فن - مسرح

0 2٬772

سعاد خليل – ليبيا

يقول ميشيل فوكو:

الكتابة هي دفاع ضد الموت، شهرزاد عندما تقول كاسن ياما كان تحكي كي لا تموت وكل كاتب يكتب فهو يفعل من اجل لا يموت ايضًا. إذًا، الكتابة شيء مهم وحاجة للكاتب نفسه لكي يفرغ ما بداخله من مشاعر وشحنات وضغوطات، لا يمكنه التعبير عنها سوى بالبوح على الأوراق لتظهر في شكل رواية أو مسرحية أو قصة.

عليه، يجب أن تكون هذه الكلمة صادقة تعبر عن شعور الاخرين وهمومهم؛ تترجم المراحل والمتغيرات التي يمر بها المجتمع، لتقديم التوجيه والتوعية للمتلقي لتعريفه بما يدور حوله، وما يشعر به.

ونرجع إلى كلمة الفيلسوف ميشيل فوكو بمعني الكاتب المبدع هو الذي يكتب كي لا يموت. إن الأساس في أي مسرحية هو بناء الحدث والشخصية وتنظيم فكرة الصراع كما كان يفعل تشيخوف باعتماده على بناء الشخصية في الداخل.

يقول شاينا: “ان المسرح ييدأ حيث ينتهي الأدب، وهناك فرق بين الدراما الأدبية والمسرح. في المسرح، أريد تحويل الكلمات إلى صورة، والمسرح الحقيقي هو الحركة داخل هذه الصورة؛ لم أكن أبدًا المخرج الذي يترجم اعمالًا أجنبية. حاولت دائمًا أن أبدع عروضًا لا يكتفي الإنسان بالاستماع اليها.”

عرف الإنسان الكتابة الأدبيّة، منذ آلاف السنوات، متمثلة في قصص الآلهة الوثنية والأبطال؛ وكانت الكتابات التي تركها الإنسان القديم تأخذ الطابع ألأسطوري، ومن ثمّ تطوّرت أشكال الكتابة، ومواضيعها مع تطوّر البشرية والخبرات الجديدة التي اكتسبها الإنسان، وظهرت الكتابة المسرحيّة بشكلها الحديث في أوروبا في عصر النهضة الذي شهد تحوّلات كبرى في الثقافة والفنون.

الكتابة المسرحية تعتبر من أهم العناصر في العمل المسرحي. في هذه الفترة، نلاحظ قلة أعداد الكتّاب الجدد، الذين يجيدون فن الكتابة المسرحية بحبكاتها الدرامية وبشكل مدروس وعميق؛ فنجد أن هناك تراجعًا على صعيد كتابة وإبداع النص المسرحي. هناك نصوص مسرحية لا تمت للأدب المسرحي بأي صلة؛ فهي ليست نصوصًا بل بعض الشطحات على رأي المخرج فرحات خليل؛ شطحات من الرخص، خصوصًا عندما يكون الكاتب هو المخرج، فأحيانًا لا يملك مقومات الكتابة أو الإخراج، وهذا يحدث كثيرًا في مجتمعنا المسرحي العربي؛ مما يؤثر كثيرًا على صعيد العرض المسرحي.

هناك بعض النصوص تحتاج إلى جهد دراماتورجي كبير لوضع سياقات سياسية واجتماعية وثقافية حتى تكون متضمنة هواجس المجتمع، وهمومه، بحيث تتمكن هذه النصوص المسرحية من نقل الزمن والمكان الأصليين بما فيهما من مضامين إلى مكان الفرجة الراهنة وفترة عرضها.

يمكننا القول، إن بعضًا من الكتابة المسرحية الحالية تعوم مع تيارات لا تقود لشيء سوى السراب، وتدور في المدارات المتأخرة لنواة المسرح، دون الوصول للحقيقة الجوهرية الكامنة في أعماق المجتمع. إن هذا التراجع الكبير في حرفية الكتابة وحبكتها، ربما هو ما يجعلنا نرجع إلى الاستعانة بالنصوص العالمية؛ وهذا يتطلب الإلمام الكامل بلغة الكتابة الأصلية، ومعرفة الثقافة والمجتمع الذي أنتج النص الأصلي، عند إعادة الكتابة أو الإعداد لمسرحتها. لا أريد أن أجزم بقلة الكتّاب المسرحين الذين لهم تأثير كبير في المسرح العربي؛ فمنذ الستينات والسبعينات من القرن الماضي، هناك من الكتّاب الذين رحلوا، أمثال توفيق الحكيم وسعد الله ونوس ونجيب سرور وميخائيل وغيرهم أسماء كثيرة، اتسموا بالثقافة الواسعة والوعي السياسي والتأهيل الأكاديمي والإلمام الكامل بطريقة الكتابة للمسرح، التي نفتقر إليها الآن؛ فالكتابة المسرحية، التي تبقى وتتداول وتقدم على خشبات المسرح حتى اللحظة، كان معظم كتابها يتميزون بالوعي الثقافي، ويجمعون على أرضية ذات أبعاد في بنية تجمع بين السرد وبين الحوار. ولدينا مثالٌ في الكاتب سعد الله ونوس الذي جعل كتاباته المسرحية تسيطر على الشوارع والميادين والساحات لمشاهدتها تتجسد، حيث كانت تشغله القضايا الكلية: الحرية، والتاريخ وصيرورته، وتزييف الوعي، وتحجير الفاعلية الإنسانية.

إن واقعنا العربي مضطرب، لكنه يسير دون معنى وحياتنا مليئة بالتناقضات. على الكاتب أن يدرك ذلك، وأن يعي أن العمل الدرامي هو منتج يتم إنتاجه داخل سياق اجتماعي أو سياسي أو ثقافي، يخلع عليه رؤيته الابداعية الخاصة. من داخل هذه المساحات المفتوحة، توجد شخصيات نمطية وأفكار عامة ورؤى متشائمة وحلول طوباوية. إن أهم النقاط الأساسية، التي يجب ان نعيها في النص المسرحي، ونكون واضحين بخصوصها، هي بعض الاشكالات التي يثيرها النص من حيث المضمون؛ فأحيانًا يطرح الكاتب فكرته في جملة يود ايصالها للمتلقي بأحد المشاهد، ولكن الأسلوب وطريقة الطرح غير مقنعة، وليست لها أي فائدة حين يكون توظيف هذه الجملة او المشهد في مكانه الخطأ. وهنا المشكلة. بعد عرض العمل، لا توجد إعادة للمعني المطلوب في ذلك المشهد أو الحوار، ثم أثناء الندوات نجد الكاتب يتعلل بالحجج والذرائع ليبرر غموض أو هشاشة النص المكتوب.

علي الكاتب أن يستخدم الركائز الاساسية الكفيلة بإعطائه سمة النص. عليه أن يترجم واقع الحياة ليخاطب كل شرائح المجتمع بكل مستوياته الفكرية والثقافية والعمرية، واضعًا نصب عينيه الإسهام في تغيره الي الأفضل، حيث لا يرتقي المجتمع إلا بارتقاء الفرد فيه، والمسرح من خلال قوة النص وأسلوب كاتبه في الطرح هو جزء كبير من توعية المجتمع. ما أحوجنا في هذا الزمن إلى كتّاب مسرح يتفاعلون، ويكتبون عن ما تمر به أمتنا، خصوصًا في هذه الفترة العصيبة

أعود، وأقول إن هناك صفات خاصة للكاتب حتى يطلق عليه مؤلف مسرحي، وليس مؤلف بالمطلق. فعند الحديث عن المؤلف المسرحي، ودوره في صياغة العملية الفنية المتمثلة في العرض المسرحي، نجد أنه لابد أن تتوافر فيه مجموعة من السمات لتكون لديه القدرة على كتابة نص مسرحي. إذ أنه في البداية، لابد من إلمامه بحرفيات الكتابة المسرحية، إلى جانب قدرته على التعبير عن المضمون الذي يريد توصيله، وأن يوازن بينه وبين الشكل، دون أن يطغى أحدهما على الآخر ليخرجا في شكلٍ متناغم. لبلوغ ذلك، عليه قراءة واستيعاب أكبر قدر ممكن من النصوص السابقة على مر العصور، بل وأن يعيش العديد من التجارب المسرحية حتى يتشبع بحياة المسرح وروحه؛ وهذا يؤدى إلى إثقال خبراته الفنية، وتكوين شخصيته التي لابد وأن يدعمها بالدراسات الأكاديمية في مجال المسرح، من غير إغفال الموهبة المفترض وجودها لديه؛ وبهذا يكون قادراً على التعبير عن أفكاره بشكل مكتوب يتوافر فيه شروط النص المسرحي الجيد. كما يجب أن يتمكن الكاتب من مضمون نصه، كما نوّهت سابقًا؛ فالمضمون يتشكل ظهوره للمتلقي طبقًا لأسلوب معالجته الدرامية؛ الذي يحدد المستوى الدرامي وارتباطه بالكوميديا أو التراجيديا أو المزج بينهما، لأن الحدود بين هذه الأنواع الدرامية ليست فاصلة.

أحيانًا، تكون المسؤولية مسؤولية الدولة لعدم الاهتمام بالدراسات الأكاديمية المتخصصة في شؤون المسرح وعلومه بإنشاء المعاهد والأكاديميات وتنفيذ الدورات المتخصصة الموجهة، فالموهبة وحدها لا تكفي بل يجب صقلها وتوظيفها بشكل علمي واحترافي لتتمكن من تقديم نصوص مسرحية ترتقي بالفكر وبالأسلوب الرشيق والحوار المهذب الذي لا يخرج عن المألوف، مبتعدة عن مسرح التهريج، حتى نعيد الجمهور إلى المسرح الملتزم الذي يخدم قضايا الأمة والمجتمع، فالعرض المسرحي من اهم ركائزه الاساسية هو النص القوي الذي يترجمه بقية المجموعة من المخرج إلى الممثلين بشكل مقنع ومفهوم لدي المتلقي والجمهور.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.