سقوط الكلمة وصعود المعنى

ورشة فن - مسرح

0 917

أمينة عبد الوهاب الحسن – السعودية

حضرتُ العروض المسرحية ضمن مسابقة المسرحيات القصيرة الذي أقامته إثراء في الفترة بين 5-7 أغسطس 2021م والذي تميّز بعروض رائعة ورفيعة في الفكرة والآداء. ولقد توجت مسرحية (السقوط عن نص دافئ) بالفوز بثلاث جوائز عن العرض المسرحي والإخراج وأفضل ممثل.

يبدأ العرض بمشهد صامت حيث يدير المؤلف ظهره للجمهور منكبا على أوراقه يكتب بينما تتراكم كومة الأوراق من حوله، ثم تظهر لنا في المشاهد التالية شخصية الكلمة المحذوفة من نص ورحلتها في البحث عن النص الأصلي الذي حُذِفت منه، حيث لا تشعر بالانتماء إلى النص الجديد المضافة له. وفي رحلة بحثها عن حقها في العودة إلى النص الأصلي تواجه المؤلف ولجنة التحرير والرقابة وتتعرض للتهديد والتعذيب.

تفوق عرض السقوط في نص دافئ لثلاث ميزات: فكرة النص، الإخراج، آداء الممثلين.

إن النص قدّم حالة مألوفة إلا أن الكاتب (أحمد البن حمضه) اختار تصورا مبتكرا لطرح الفكرة في قالب جاد وساخر إلى حد ما، حيث تتناول الفكرة قضية أزلية – على ما يبدو- في علاقة المؤلف بنصه ودور الناشر والمحرر، فهم يمثلون سلسلة لا تنتهي في علاقتهم بالنص وأثرهم عليه. إلى أي حد يمكن أن يتمسك المؤلف بخياراته الكتابية؟ وما هو حد المحرر و الناشر و الرقيب في تعاملهم مع النص؟ هل ننحاز للمعنى أم المبنى في تحكيم النص؟!

وتلك الفكرة المبتكرة قادها مخرج العمل محمد جميل عسيري نحو المسرح ببراعة، حيث تتوالى المشاهد المسرحية في عرض الحدث تلو الآخر، عُقدة إثر عُقدة تتحرر من مشهد إلى آخر حتى نصل مشهد النهاية؛ ولم تعد الكلمة الباحثة عن نص تنتمي له مجرد فكرة وحيدة تخيلها الجمهور بل ألقت تلك الكلمة ظلالها على رؤى مختلفة في الحياة، عن الانتماء والبحث عن بيئة نصنع فيها أنفسنا، ورحلة صراع للبحث عن ذواتنا التي تمثل حقيقتنا.

كما أن حركة الممثلين على المسرح كانت متوافقة، وحواراتهم متدفقة، فلم يشعر الجمهور بالانفصال بين المشهد والذي يليه، بل دخل الجمهور في حالة انسجام مع العرض كما بدا من ردود أفعالهم الحماسية بعد انتهاءه. إن آداء الممثلين في الكلام والحركات والإيماءات أظهر الحالة الشعورية التي يمر بها كل ممثل على حدة، وقد كانوا بارعين حتى في اختلاف ملامح وجوههم بين مشهد وآخر وحوار وآخر.

ومن الجدير بالذكر أن ديكور المسرح، وأزياء الممثلين، والإضاءة، والصوتيات (السينوغرافيا)، ولغة الحوار أثْرت العمل المسرحي حيث عبرّت عن جماليات الفعل المسرحي ببساطتها ورمزيتها وارتقت بالمعنى، فحين سقطت الكلمة كان لها أثرا لا يُمحى.

إن المسرح هو الطاقة المتجددة، وبأشكاله المعاصرة قادر على أن يعبر عن قضايا الإنسان في لحظته الراهنة، وبأساليب فنية حديثة، ومركز إثراء بلا شك خير من يقود هذا الحراك الفني والثقافي ويشرع أبوابه لكل المبدعين والمبدعات.

بطاقة العرض:
السقوط في نص دافئ تأليف: احمد البنحمضة إخراج: محمد جميل عسيري تمثيل: محمد جميل، فهد الغامدي، احمد الحمدان، عبدالهادي الشاطري، عبدالجليل الحرابة، خالد الهويدي اضاءة: مكي عبد الله مكساج وصوت: حسين الخاتم تصوير: علي الجلواح

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.