رهف الشمالي غنت ليرفرف علم فلسطين عاليا
عباس الحايك – سماورد
سمعتها تغني أول مرة ونحن في طريقنا إلى الفندق في مدينة أدرار الجزائرية، فقد كانت ترافق الوفد الفلسطيني المشارك في مهرجان ليالي مسرح الصحراء بأدرار، لفتني صوتها وقدرتها على الغناء وهي تغني ” وين ع رام الله/ وين ع رام الله/ وانت يا مسافر وين ع رام الله/ ما تخاف من الله/ ما تخاف من الله/ كويت قليبي ما تخاف من الله”، لم يكن غناء هاوية بل غناء محترفة، عرفتها لاحقا، إنها ابنة غزة الفلسطينية رهف الشمالي التي بدأت الغناء كما قالت “حينما كان عمري بين ست إلى سبع سنوات، في الإذاعة المدرسية والنشاطات المدرسية، إضافة إلى أني كنت أحفظ ثم أردد ما أسمعه من أغاني في البيت أو في محيطي”، انتقلت رهف بعد ذلك في مسيرتها الغنائية لكورال الطفل في مركز القطان الثقافي في غزة في الفترة بين 2013 إلى 2016، وهو الذي شكل نموا في شخصيتها الغنائية. وجعلها قادرة على مواجهة الجمهور والوقوف على المسرح، وما هي الآلات الموسيقية وما هي اللازمة الموسيقية وما هي التسليمة، في المركز عرفت رهف الكثير في فترة وجودها في مركز القطان.
بعد أن تركت رهف المركز لأنها تجاوزت الرابعة عشر من عمرها وهو العمر الذي لا يسمح لها فيه أن تكمل مع المركز، انضمت لفريق خاص وهو فريق (صول) الموسيقي عن طريق معهد سيد درويش، وهو معهد موسيقي خاص، فكان هذا المعهد نقطة التحول في مسيرة رهف، حيث بدأت تتوسع في عالم الموسيقى ومن هناك عادت بها الذاكرة إلى “الأغاني الطربية القديمة التي كنت أغنيها أنا وستي الله يرحمها والتي كنت أحفظها، وما سهل علينا اللقاءات كأعضاء لفرقة صول أن المعهد يملكه والد سعيد مدير الفرقة”، وكانت الفاصلة هي حفل نظمته منظمة اليونسكو لمناهضة العنف ضد المرأة، فكان لزاما تواجد العنصر النسائي في هذا الحفل، فكانت رهف هي الأقرب بحكم تواجدها في المعهد، فغنت فكانت فرصتها لتكون عضوا رئيسا في فرقة صول. وعن اختيارها للأغاني الفلكلورية الفلسطينية تقول: “رغم أن أغاني الحب هي السائدة وهي الأقرب، إلا أننا اخترنا الأغنية الفلكلورية، لأننا نعتقد أنه من الواجب علينا كفلسطينيين غزيين أن نحمل الهوية الفلسطينية على أكتافنا ونحملها بأصواتنا، فكيف نعيش في بلد يعاني من الحرب والدمار اليومي ومن الاعتقالات والتهجير، ونحن كفرقة وحيدة نغني أغاني حب، أليس هذا تناقضا كبيرا”، الفرقة لم تقدم الأغاني الفلكلورية على ما هي عليه، لكنها أضافت لمساتها الشبابية عليها التي يمكن للجيل الجديد أن يستمع لها ويتقبلها.
تعيش رهف وفرقتها في قطاع غزة، حيث السائد أنه مجتمع محافظ، ولم يشكل اشتغالها مع الفرقة أي مشكلة، فهي كما تعبر كانت مجرد طفلة، ولكن بعد أن تجاوزت الخامسة عشرة من عمرها، واجهت انتقادات كبيرة مع بداية التحاقها بمعهد سيد درويش، ثم بفرقة صول، خاصة بعد ظهورها الإعلامي، حيث كان من المستهجن عند هذا المجتمع المحافظ أن تشارك صبية مع مجموعة شباب
يجولون شوارع قطاع غزة ويغنون، فكانت هي أكثر من واجهت الانتقادات ووجهت لها أسهم النقد وعصي الوصاية، وتؤكد أن الغالبية لا يبدون أي انتقاد، بل هم ككل شعوب العالم يبحثون عن الفرح.
رهف هي الفتاة الوحيدة في فرقة صول الموسيقية التي تأسست في العام 2012، الفرقة التي تأسست على مبدأ الصداقة، حيث ربطهم حب الموسيقى، حيث كانوا أصدقاء في نفس المدرسة في نفس الحارة وجمعتهم الموسيقى أكثر، حيث بدأ الفريق بالمشاركة في الحفلات والغناء في المطاعم والكوفيهات، وفي العام 2016 نظمت الفرقة أول حفل خاص بهم. ورغم أن الحكومة في قطاع غزة أوقفت الحفل في منتصفه، إلا أن أعضاء الفرقة لم يحبطوا، بل واصلوا شغفهم بالموسيقى، ووصلوا إلى أن يشاركوا في عدد من المهرجانات الموسيقية في غزّة عام 2016، و2018، وفي مهرجان فلسطين الدولي، ومهرجان (ع السطح) عام 2019، ويوم الجاز العالمي في رام الله والقدس، بالإضافة لمهرجانات عالمية مثل مهرجان أرابيسك الدولي الذي يقام في مدينة مومبليه الفرنسية وهرجان كوباكوبانا العالمي في مدينة غنت في بلجيكا، وفي عمان بمهرجان هذه مدينتي بالمسرح الثقافي الوطني ومسرح هيا الثقافي، الفرقة كما تقول رهف “ونحن مستمرون وعلى بداية عام جديد وبداية خطط جديدة ومشاريع جديدة”، وكانت الفرقة قد قدمت برنامج وصلة بالشراكة مع التلفزيون الفلسطيني وتم تصويره فيه أماكن عدة في قطاع غزة وكان عبارة عن 30 اغنية فلسطينية صورت في ثلاثين موقعا معروفا في القطاع.
“كل عمل فني وكل مشروع بشكل طبيعي سيواجه النقد وسيواجه التحديات، فنحن في البدايات واجهنا غياب الدعم، وتوفر الآلات الموسيقية ومكان التدريب وتكاليف المواصلات والتنقل، والآن تجاوزنا كفرقة كل هذه التحديات، وأكبر تحدي نواجهه الآن هو المسؤولية الكبيرة التي نرى أننا نتحملها كفرقة من غزة ومن فلسطين”، هذا ما عبرت عنه رهف حين سألناها عن التحديات التي تواجهها الفرقة. وركزت على مسؤوليتهم كفرقة على التأكيد على الهوية الفلسطينية عبر الأغاني التي يقدمونها لتصل إلى كل العالم، فأعضاء الفرقة ومنهم رهف كل ما يتمنونه هو أن يرفرف علم فلسطين على أكبر مسرح في العالم، ولكن هذا لن يتأتى دون دعم من المؤسسات الداعمة التي نحتاجها كفرقة فلسطينية مناضلة لنصل إلى العالم وعبر الأغنية والموسيقى نوصل القضية الفلسطينية لكل العالم. فالموسيقى شكل من أشكال النضال الفلسطيني، وهو ما تؤكده رهف “تقديمنا للأغاني الوطنية الفلسطينية هو نضال، ومسؤولية حملناها على أكتافنا، فنحن لا نستطيع أن نحمل السلاح ونقاتل على الحدود، ولكننا نستطيع أن نحمل مايك. أن أصعد على المسرح وأردد (يا فلسطينية والبندقاني رماكو) و (جفرا وهي يا الربع) و (وين ع رام الله) وغيرها من أغانينا الفلسطينية التراثية فهذا يثبت هويتنا الفلسطينية رغما عن كل الوسائل اللي يقوم فيها الاحتلال الإسرائيلي في طمس الهوية والتراث الفلسطيني، فواجب علينا نحن كفنانين موسيقيين الحفاظ على الأغاني التراثية ونسمعها للجيل الآن، بل كل الأجيال إلى أن يتم التحرير إن شاء الله”.
سألتها عن الدراسة، وهل هي مهمة بالنسبة لها، أولا تكفي الموهبة؟، فردت ” بالنسبة لي كرهف هذا موضوع مهم جدا، وأراه مهم لكل فنان، ولكننا في غزة ليس لدينا معهد موسيقى، وأجد أني بحاجة للدراسة الأكاديمية لأملك الإمكانات فالموهبة وحدها لا تكفي. فكرت في دراسة الموسيقى خارج فلسطين لكن الظروف لم تسمح لي بذلك، لذلك وجدت أن الممارسة هي التي تمكنني من الحفاظ على صوتي وتدريبه، فأنا أرى أن صوتي وموهبتي مثل الألماسة التي أحافظ عليها واخبئها، حتى تتسنى لي الفرصة للدراسة الموسيقى وتطوير امكانياتي”. وعن أحلامها تحدثت “أراني على أكبر مسرح بالعالم أحمل العلم الفلسطيني وأغني الأغاني الفلسطينية، وحتى يحين ذلك الوقت أحلم أن أقدم أغاني خاصة بي، برهف. كما أحلم بدراسة الموسيقى وأن أحقق حلم الطفولة أن أمثل فلسطين في كل المحافل الدولية، وهو حلم لأعضاء فرقتي صول أيضا، فنحن بحاجة أن نوصل رسالتنا عبر الموسيقى والغناء لكل العالم”.