زينب الماحوزي.. حينما يكون الفن قريباً من الناس

الفنانة التشكيلية والجرافيتي والباريستي المبدعة

0 1٬063

سماورد- السعودية

متميزة في تجربتها التشكيلية، فقد خرجت زينب الماحوزي الفنانة السعودية الشابة عن السائد وأخذت بالفن التشكيلي إلى شكل مختلف عن المتعارف عليه، هذه التجربة جعلتها قريبة من الناس ومن الجمهور العادي، ولم تكن محصورة على نخبة المهتمين بالفنون التشكيلية فقط، فقد خرجت من جدران المعارض إلى عالم الجداريات فصارت جدران المدن معارض للوحاتها ومنصات لتجاربها، فقد شغلت جداريتها (عامل النظافة) المصطافين في كورنيش القطيف الذين تستوقفهم الجدارية كلما مروا بها، كما رسمت جدارية ضمن مشروع جميرا بدبي، وشاركت بجدارية ضمن أول مبادرة لتزيين الأحياء القديمة بفن الجرافيتي مبادرة (الفن شرقي) بحي البايونية بالخبر، وجدارية بجدة التاريخية بمعرض (لن يقف الموج بعد رحيلك).

بدأت حكاية زينب مع الفن منذ طفولتها المبكرة، حيث تروي لنا هذه الحكاية “لم أكن أعتقد أن الطفلة ذات السبعة أعوام، التي أفلتت يد والدتها وهي تعبر الشارع عند ذهابها للمدرسة، وكادت تصطدم بها سيارة مدرسة التربية الفنية، أنها ستُصبح ما أنا عليه اليوم. أشعُر بالغرابة في كُل مرة، وأنا أتذكر هذا المشهد: كُنت مُسرِعة لأنني مُتحمسة للحصة الأولى وهي التربية الفنية، حتى أنني لازلت أتذكر توبيخ المدرسة لي، وأشعُر بقرصة يدها في أُذُني؛ ولم أظن يومًا أن بعض الزميلات ستحتفظ حتى هذا اليوم ببعض الرسومات التي كُنت أرسمها في الفُسحة وهن يتفرجن. أتذكر حين أحرقت والدتي الحبيبة الدفتر الذي كُنت أرسم فيه بعض الشخصيات الكرتونية أمام عيني؛ لأنني كُنت مُهملة أحياناً في دراستي. أتفهم لماذا فعلت هذا الأمر، وأضحك في كُل مره وأنا أسترجع المشهد. في المرحله الثانوية، كان لدي كُتيبان وهما أول كُتيبين أحصل عليهما: واحد كان لعدة فنانات لمعرض جماعي، والآخر للفنان محمد الحمران من كبار الفنانين بالقطيف. كُنت لا أملّ النظر إليهم قبل النوم، وأضعهما في كُل مره تحت وسادتي، وأتمنى أن أُصبح ناجحة مثلهم”، كان محتوى الكتيبين هو الطاقة الحقيقية التي استمدت منه شغفها للفن، حيث تضيف “أدركت أنني كنت أستمد طاقة جميلة وأنا أتصفحهما دون أن أشعُر”.

شاركت الماحوزي بعدة ورش منها ورشة في (مركز إبداع الفتاة) بقطر، وورشة ومعرض صالون الشباب الفني (ملتقى تاء الشباب) بمركز الفنون بالبحرين، ورشة فنية في معرض Expo العالمي بكازاخستان، وورشة في معرض آرت مسك بالبحرين، والمشاركة بورشة ضمن الأيام الثقافية السعودية بتركمانستان، وكانت أول ورشة أو دورة شاركت بها “في العام 2006 وكانت دورة أساسيات الرسم بالرصاص، والضوء والظل. في العام الذي تلاه، أساسيات الزيتي، وبعدها كانت لي تجارب خاصة في مرسمي منذ العام 2012 في فن الستنسل جرافيتي”، هذا الفن الذي تميزت فيه زينب عن سواها.

ترى الماحوزي بأن هناك فرق بين الرسام والفنان؛ الرسام يرسم كل ما يرغب برسمه، أما الفن هي رسالة تعبير الفنان عن موضوع معين أو ابتكاره لأسلوب خاص. وقد تميزت بفنون الشارع، سألناها: لماذا اخترت هذا اللون، وهو يبعد رسوماتك عن المعارض التشكيلية وعن القراءات النقدية، فأجابت بأن “فن الشارع يجعلني أشعر أننا سواسية جميعنا، وكأن الشارع معرض مفتوح لجميع طبقات المجتمع والجنسيات المختلفة، يستوقف الكبير والصغير ويتفاعل معه”، وتشرح الفرق بين فنون الشارع والجرافيتي بعد سؤالنا إذا كان ثمة اختلاف بينهما، “أصل فن الجرافيتي قديم جداً من الحضاره الفرعونية وغيرها، لكنه نشأ بطريقة حديثة تقريبًا في زمن الستينات من القرن الماضي. نظر إلى هذا الفن على أنه فكرة جداً مشوهة؛ لأنه، في الأصل، كان المحتجون يستخدمونه للتعبير عن آرائهم السياسية بالكتابة وغيرها دون الاستئذان من صاحب المبنى. مع تقدم الزمن، أصبح لفن الجرافيتي توجه فني مُختلف تمامًا عن السابق. أصبح الفنانون يستخدمونه بطريقة تجميلية وقانونية، لكن إلى الآن لازال البعض يستخدمه بطريقه التعبير عن آرائه السياسية بطريقه لا تقبل بها الحكومات. فن الشارع يدخل فيه الفنون المفاهيمية وفن الكولاج وفنون مختلفة، وليس فقط الفن الذي يستخدم فيه البخاخ”.

وترى أنه من الإيجابي أن يشارك الفنان في ورش رسم الجداريات أو فنون الشارع خاصة إذا كان تلبية لدعوة رسمية، فترى “أن الدول أصبحت تشجع ممارسة هذا الفن بطريقة جميلة لعمل رسالة واضحة في الشارع. قبل عام، كنت في زياره لبلدية محافظة القطيف وقابلت رئيسها سعادة المهندس محمد الحسيني، كنت في حوار معه لوضع خطة قادمة لعمل جداريات جرافيتي في الشوارع، وأبدى إعجابه بالفكرة ولمست منه تعاونًا جميلًا، كما أن سمو الأمير محمد بن سلمان يدعم جميع الفنون ويدعم جميع الشباب، وسمو الأمير بدر بن فرحان وزير الثقافة والفن مهتم جدًا بالفنون، ويستضيف في حسابه من وقت إلى آخر فنان للتحدث عن تجربته وينشر أعمال بعض الفنانين، وكان لي الشرف أن وضع الجدارية التي عملت عليها في الخبر حي الصبيخة في حسابه في الستوري بالإنستقرام”.

في العديد من لوحاتها، تحضر كموديل، حيث لا تستعين بموديل آخر، زينب ذاتها في لوحاتها بأشكال مختلفة وضمن تجاربها التشكيلية، سألناها عن الأمر، فأجابت: “في الحقيقة، أحيانًا تأتي الفكرة، ويكون لدي وقت قليل جداً لتنفيذها، فأستعين بنفسي لتنفيذ الفكره بأسرع وقت ممكن، ولكن جميع الأعمال التي كُنت أنا المودل بها تعمدت أن تكون جميعها مُلامسة لكل ماشعرت به؛ مثل عمل (غفلة) الحائز على المركز الأول في جائزة الفن السعودي المعاصر لنسخته 24 بتنظيم وزارة الإعلام، وبوصلة القلب وبندول الروح”.

من يطالع أعمالها، يجد أنها تقدم التراث بمسحة حديثة، فهي لا تستغني عن مفردات المكان التي تعيش فيه، وتخشى على التراث أن يختفي يوما، لذلك تجد نفسها أمينة عليه، تقدمه بطريقة مبتكرة وحديثة حتى يصل للناس في وقتنا هذا، ولا تقدمه بشكل توثيقي. وسألناها وهي التي تملك ملمحاً خاصاً في تجربتها، إن كان من الضروري أن يكون لكل فنان تشكيلي ملمحه الخاص في تجربته التشكيلية، وأجابت: “سابقًا، في بداياتي، كُنت أسمع بالمدرسة الواقعية والتجريدية والتكعيبية والسريالية وغيرها، ربما تغيرت مفاهيم كثيره بالنسبة لي الآن؛ أنا لا أنكر المدارس الفنية المختلفة من الأجيال السابقة، ولكن إن تقيدنا بهم فقط فما الذي سنضيفه نحن كجيل جديد! أُهاجم من بعض الفنانين على التكنيك الذي استخدمه وهو ستنسل جرافيتي؛ نوع من أنواع الطباعة تحتاج الكثير من الصبر والمجهود، لأنني أتعامل مع المشرط في تفريغ العديد من الطبقات الورقية أو البلاستيكية، وبعدها استخدم البخاخ للبخ خلال هذه الفراغات، على عكس البعض يُصفق لي لأنه يجد أن لي أسلوبي الخاص الفريد، ويُقدر التعب والجهد الذي أبذله لصنع لوحة واحدة”

زينب الماحوزي كانت أول جرافيتية في المنطقة الشرقية، وقد كان الأمر غريباً في البداية، رغم أنها لم تتلق نقدا أو نفوراً، ولكنها بالعكس وجدت التقدير والتصفيق، وعن تقدير الناس للفنون تضيف “وهذا أمر يسعدني جدًا؛ يسعدني أن تستوقفني أم أو أب لطفلة أو طفل ويخبروني عن أطفالهم أنهم يرغبون بأن يُصبحوا مثلي. أعتقد بأن الفن أصبح في مجتمعنا يستوقف الناس أكثر من السابق. النشاطات الفنية المُستمرة لها دور كبير في ذلك، كما أن وسائل التواصل في السوشال ميديا أثرت إيجابيًا من بعض النواحي؛ دولتنا الحبيبة أصبحت تهتم حتى في مناهج المدرسة أن تضيف أسماء الفنانين من المملكة في كتاب المنهج الدراسي للتربية الفنية كما أن الدولة قبل عام بدأت العمل على تنفيذ بعثات فنية دولية”. الماحوزي فنانة تشكيلية وفي نفس الوقت هي أول باريستا (صانعة قهوة) في مدينتها القطيف، وكان ما دفعها للقهوة وفنونها، هو حبها للقهوة منذ طفولتها، تقول: “كنت أفتح ثلاجة المطبخ في منزل جدي، وأفتح علبة النسكافيه وأشمها وأسأل والدتي لماذا لا نملك قهوة في المنزل. القهوه دخلت المنزل بسبب حبي لرائحتها”، وبالنسبة لمصطلح (باريستا) الذي تمتهنه، فإنها لم تسمع عنه إلا “في مسلسل كنت اشاهده؛ لم يكن يعرف هذا المصطلح إلا القليلون جداً. رغبت بتعلم مهارات إعداد القهوه بطريقة محترفة ومختصة، لكني لم أجد في ذاك الوقت من يعلمني. لا توجد مقاهي مختصة في المنطقة إلا ربما واحد أو إثنان. أتذكر أنني أخبرت والدتي عن رغبتي بالتعلم. بعد فترة بسيطة من هذا الأمر، جميعنا سمع بأول باريستا سعودية وهي سارة العلي. بدأت أحاول الوصول إلى مدرب يدربني الى أن رحبوا بي مقهى كوست بالقطيف عام 2019 وكان مدربي الباريستا سعيد بزرون. الآن، أعمل معه في مقهى JADE، وسعيدة بذلك. لربما يكون باباً جديدا مختلفا وينتظرني شيء آخر. أحب كوني باريستا وجرافيتية، قد يبدوان عالمين مُختلفين لكنهما يتفقان في كون كل منهما فن”.

كان للماحوزي ثلاثة معارض شخصية، الأول كان بعنوان (فواصل) بقاعة ثقافات 2013، والثاني كان بمشاركة الفنانة سكنة حسن بعنوان (قول) بقاعة ثقافات 2014 وكان متزامناً مع كأس العالم، كما شاركت في معرض ثلاثي بعنوان (ذاكرة إنسان) بجمعية الثقافة والفنون بالدمام 2019، وحصلت على جائزة القطيف للإنجاز 2017 والمركز الأول بجائزة الفن المعاصر السعودية 24 في العام 2018.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.