القصة القصيرة سيرة خلود

جدل - ورشة القصّة القصيرة بصلالة

0 480

طفول سالم  – سلطنة عُمان

كان هناك ما يدفعني دائمًا إلى أن أكتب، لا أعرف بالضبط ما هو؛ شيء دفين في عمق الذات كأنما يصرخ بي طالبًا مني الكتابة. كنت أصم أذني عنه لأني لا أعرف ماذا سأكتب، وهل قلمي بوسعه أن يسعفني بذلك. تكرر الصوت ألح عليّ بعمق فاستجبت. قررت بكل بساطة أن أكتب. كانت بداية صعبة، لأنها تجربة بكر، ولأني لم أكتب شيئًا من قبل؛ فكنت أكتب وأرمي ما أكتبه، بل وكنت أخفيه خشية أن يراه أحد ما، فقد يسخر مما أكتب، ولكنني واصلت الكتابة غير آبهة، فقد كانت تشدني إليها وتدعوني باستمرار. بدأت مع ذكريات كانت تسكنني وتؤرقني فقد شعرت أنه عليّ أن أكتبها. من تلك اللحظة، بدأت مشوار الكتابة. لم أكن أتوقع أنها سوف تُقبل، لكني تفاجأت فقد نالت رضا لم يكن في الحسبان، ووجدت دعمًا لطيفًا ودفعًا قويًا ممن يحيطون بي، وهو ما شد أزري وجعلني أستمر بكل إصرار وشغف، حتى أصدرت كتابي الأول؛ مجموعة قصصية قصيرة “في قلب أختي يسكن مسعود القزم”.

لا أعلم كيف أشرح ذلك بدقة، ولا أدرى إن كنت حقًا كاتبة بالمفهوم الأدبي للكلمة. المهم بالنسبة لي هو أن أواصل الكتابة، لأني أرى أني ما زلت في بداية الطريق، وآمل أن أكون كاتبة بالمعنى الأدبي الدقيق للكلمة، ولكني مؤمنة بروح الإبداع التي تسكنني؛ فالكتابة عناء وتستحق الكثير من التعب والجهد، وهي تعب جميل يبعث في النفس شعورًا خاصًا ويجعل صاحبه موصولًا بالحياة.

القصة هي أحداث، غالبًا تكون ضمن فترات زمنية محددة، تعبر عن جانب من الحياة الاجتماعية والنفسية والثقافية لمجتمع ما موجود فعلًا، أو متخيل وفق نسج خيال القاص، تُسرد بشكل منسجم وفي حبكة مخصوصة وبلغة خاصة مكثفة دون التعمق في جميع التفاصيل؛ دون أن ترهق القارئ، وهي أيضًا كشف ومعالجة لبعض القضايا الاجتماعية. القصة القصيرة جنس أدبي صعب المراس جدًا؛ تمزج حيوات متقلبة بأسلوب مبسط وتتحاشي الحشو والتكرار ليتقبله القارئ، فهي تحتاج إلى تمرس، وجهد ذهني قوي، ومشاعر متحولة لتقمص تلك الأدوار كتابة؛ إضافة إلى خيال شاسع خصب وإحساس خاص.

كانت تجربة جديدة بالنسبة لي لتطوير الكتابة والإبحار أكثر في عالمها وأساسياتها، تجربة حققت لي فوائد جمة؛ إذ فتحت عيني على زوايا بعضها كنت أستشعرها ولا أعرفها، وبعضها كنت لا أعرفها أصلًا، فقد صقلت فيّ تقنيات الكتابة المتخصصة، والتي كنت أفتقدها قبل ذلك وأفتقد الوعي بها. أما تجربة نشر الكتاب، بالنسبة لي، كانت تحديًا لذاتي. قد لا أتمكن من وصفه حرفيًا؛ لكنه كان مشوقًا بين جهد وارهاق، وسعادة مزيج رائع يعسر حقًا وصفه.

يقول البعض القصة القصيرة تجعلك مثل شجرة الأبدية ساكنا في ضمير الأبد. وأنا أعتبر أنّ القصة القصيرة سيرة خلود وتخليد للإبداع والفكر والذات، وأتمنى أن أبقى، ويكون لي الأثر والتحفيز النفسي للأجيال القادمة. إنّ الكتابة تشغل جميع وقتي، وأنا الآن بصدد كتابة رواية؛ وخوض تجربة جديدة فيها تحد جديد لذاتي، ويبقى الرضى غاية تُطلب ولا تُدرك. أشعر أحيانًا أنني عاجزة عن تجميع الأفكار وترتيبها، إذ لم أكن على معرفة في البداية بأساسيات القصة القصيرة، ولا طريقة البداية والنهاية، وتوظيف الأحداث، وكانت مواجهة ذلك من خلال الالتحاق بالدورات والورشات مما ساهم في تطوير آليات الكتابة عندي.

الحنين يولد في الوحدة النفسية أكثر من كون الشخص مغتربًا؛ لذلك، أرى اغتراب النفس في الوحدة، فالاغتراب يولد رغبة جامعة في الكتابة.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.