حسام بن حمودة – دار زينب للنشر- تونس
المحتويات الإعلانية والتسويقية
العديد من الفعاليات، الثقافي منها بالخصوص، مهم جداً لإحياء معارض الكتاب. هذه الفعاليات تجمع المثقفين والكُتاب حول موائد الحوار، حول تجاربهم وأعمالهم ومواقفهم في بعض المسائل الخاصة. الكُتاب يحتاجون مثل هذه الفعاليات، فهي تغطي بشكل ضئيل غيابهم عن المنوعات الثقافية التلفزية، وندرة المنابر الاعلامية التي تُخصص لهم. يُعد الكاتب أحد دعامتي عالم النشر، لذلك فإن تخصيص فعاليات له خلال معارض الكتاب، فيه دفعة إيجابية لنشاط المعرض ولحضور الناشر خلاله.
أما بالنسبة الى المحتويات الاعلانية والتسويقية، في معارض الكتاب العربية، فأعتقد بأنها تملأ فراغاً يُخلفه الناشرون في عمل النشر. لماذا لا تكون كل الإعلانات التسويقية المُصاحبة للمعارض مرتبطة ارتباطاً أصليا بعمل الناشر؟ أعتقد بأن الناشر العربي لا يُبدي اهتماماً كافياً للجانب التسويقي لعمل دار النشر. إن تراجع عدد القراء لا يعود فقط الى ضحالة المُستوى الثقافي لدى المواطن العربي، بل يعود أيضاً الى تقصير الناشر في العمل على التسويق للكتاب وتقديمه. لا بُد للكتاب أن يُنافس كل ما يُنتجه المجتمع العربي، ما يستورده ويُصدره. الكثير من المثقفين يرفضون النظر الى الكتاب على أنه منتوج. نتفهم الإشكالية التي يخلقها هذا التوصيف المادي لعمل ابداعي، لكن الحقيقة هي أن عالم الكتاب ككل عوالم المنتجات الأخرى تحكمه الأرقام والموارد.
الحقيقة أن تأخر الكثير من دور النشر العربية على الدخول في العالم الرقمي، واستغلال الفضاء الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي للتسويق يعود بالكثير من السلبيات على الناشرين، أهمها عدم توسيع أسواقهم. يجب أن يخترق الناشر هذا الحاجز، وأن يوسع من نشاطه ليغطي الجانب الإعلامي. نحن، في دار زينب للنشر والتوزيع، قد شرعنا منذ فترة في العمل على الرصيد الرقمي. قامت الدار بتأسيس غرفة إعلامية تهتم بالتسويق لصورة الكُتب التي تنشرها الدار. سُميت “الغرفة المحطمة”، وهي تهتم بتصوير حوارات مع الكتاب والمثقفين لتثري بها صفحة دار زينب على موقع “فايسبوك” “وأنستاغرام” وقناة الدار على “يوتيوب”. كما تسير كذلك الموقع الالكتروني الرسمي للدار على (الويب). نحن نُعطي لهذا الجانب أهمية بالغة، فعالم اليوم هو عالم الصورة، ونعتقد بأن اقحام الكتاب في الحقول المرئية للمشاهدين؛ قد يحمس بعضهم للوقوع في الفخ الأجمل على الاطلاق: أن يقرأ الانسان كتاباً. لماذا لا يدعم الناشروين صُناع المُحتوى على اليوتيوب. الكثير منهم يبدي انشغالاً بكل ما هو ثقافي وإبداعي. لماذا لا يقع دفعهم للترويج أيضاً للكتب، ولا يتم استغلال مهاراتهم وقدراتهم التأثيرية على المشاهدين في تنمية الجانب الإعلاني والتسويقي لدار النشر. الفضاء الافتراضي هو ثورة في عالم الاشهار والتسويق. ومن النافع أن ينظر إليه الناشر على أنه فرصة ذات بعد عالمي. الاهتمام بهذا الجانب، سيُمكن الناشرين من سد الفراغ الذي تملأه المادة الاعلانية التسويقية المصاحبة للناشرين خلال المعارض.
تمسك الإدارة بالرقابة وضرورة احترام الناشر للإجراءات
معرض تونس الدولي للكتاب بلا رقيب، وخاصة بعد ثورة الرابع عشر من جانفي سنة أحد عشر وألفين، نحن نؤمن بأن الكتاب حرٌ مثلما الكتابة فعلٌ حرٌ أيضاً. أفضل للمجتمع أن يكون منفتحاً على كل ما يروج من مواقف. التنوع يخلق قارئاً جيداً، ومناعة ثقافية اجتماعية ضد الاقصاء ورفض الآخر. لذلك، نحن نرفض ممارسة رقابة على الكتب.
يبدو أن معرض مسقط الدولي للكتاب قد انتهى منذ سنوات إلى رفع كل رقابة على الكتب التي يستقبلها. منذ سنة ثلاث عشر وألفين، بدأت بعض العناوين الممنوعة تظهر على عارضات الناشرين. للأسف، معارض أخرى لا تقل أهمية عن معرض مسقط لا تزال إداراتها متمسكة بخيار الرقابة. هذا الأمر يُحتم على الكثير من الناشرين المحليين القيام برقابة ذاتية على منشوراتهم. ويُجبر الناشر الوافد على اقصاء بعض العناوين التي يُنتظر استبعادها. هناك دائماً الرقيب الديني والأخلاقي الذي يمارس سلطة فرز على العناوين المعروضة، وعلى مضامينها. بعض الأنظمة تفرض هذا الاجراء، وتعتقد بأنه وسيلة دفاع أمام الأفكار الجديدة والثورية التي قد تدفع المجتمعات الى اقتراح تغييرات جذرية. الأفكار والايديولوجيات، وحتى الأديان السائدة في العالم اليوم، تستمد جذورها من كُتب المُنظرين لها من أدباء وفلاسفة وشعراء ورسل. رغم كل التهميش والتراجع الذي شهده الكتاب، فإنه لا يزال يُحافظ على علاقته السببية بقنوات البث الأولى للوجود البشري، للسلطة والمعرفة ولمناهج الحكم والتمثلات الدينية. من الجدير بهذا أن يدفع الدول الى مزيد العناية ودعم عالم النشر، فالديناميكية الحقيقة التي نريد حقنها في مجتمعاتنا تبدأ بازدهار الكُتب. بجودتها وخاصة بتنوعها. وليس بالمنع.
هذا لا ينفي أبدا ضرورة أن يحترم كل ناشر الإجراءات والتوصيات المُعتمدة بالنسبة لكل معرض عربي. احترام خيارات المُختلفين عنا في رؤية الأمور نتعلمها أيضا من روح ما ننشُر وما نقرأ.
المكان له تبعات
من الطبيعي جد أن يؤثر مكان المعرض على حضور الناشر من حيث طبيعة العناوين المعروضة، وأيضاً من حيث الكميات. لا بد من الإقرار أولاً أن العنصر الاقتصادي يلعب الدور الأهم في هذه المعادلة. الناشر يتحمل تكاليف باهظه للعرض في الخارج. وهذا يضيف أعباءً على ثمن الكتاب. القدرة الشرائية للمواطن العربي متباينة للغاية من دولة الى أخرى؛ هذا من شأنه أن يؤثر على العديد من المسائل كعدد النسخ المعروضة وأيضاً ثمنها. خاصة، وأن تكلفة الطبع متباينة أيضاً. التباين لا يقف عند هذا الحد، فطبيعة الكتب المطلوبة تختلف من معرض الى آخر. في دول الخليج العربي، البحوث والدراسات تحظى باهتمام خاص. هذا يعود ربما للسياسات الثقافية التي تنتهجها هذه الدول، حيث المؤسسات الثقافية والأكاديمية تأخذ حاجتها من العناوين حسب اختصاصاتها. في تونس مثلا، البُحوث والدراسات لا تجد حظها في السوق، وخاصة المُختصة منها في المسائل اللغوية والشعرية الخ… هذا يُبرر ربما الفقر الذي تعانيه مكتبات الجامعات، والصعوبات التي يمر بها الباحث التونسي في رحلة بحثه عن المراجع. الاهتمام الأبرز يُوجه في تونس الى الرواية. تونسية كانت، عربية أو مترجمة. البعض يرجح غياب شهرة الرواية التونسية في العالم العربي الى جودة ما يُكتب، ليس لنا أن نحسم في الأمر، ولكن الكثير من الصعوبات تقف في وجه الكاتب والناشر، وتحول دون أن تكسب الرواية التونسية موقعاً مُتقدماً على لائحة طلبات القُراء في المعارض العربية. الاختلاف بين المعارض محكوم أيضاً بمسألة الذائقة، وبمواكبة مجموعات القراءة، والقُراء لما يُنشر في العالم. لا تزال الذائقة العربية مرتبطة ارتباطا وثيقاً بالأدب الكلاسيكي وبكتابات المنفلوطي ومحفوظ وساراماغو وغيرهم.. ربما يعود هذا الى تأخر البرامج المدرسية، وعدم قدرتها على مواكبة زخم ما يُكتب حول العالم. الكثير من القُراء يعتقدون بأن الأدب هو فقط ما رسخ في الكُتب المدرسية وفي حصص المُطالعة النادرة التي قلما تكون ذات طابع انفتاحي. نُلاحظ أن عمل دور النشر العربية على الترجمات في ازدهار. هذا العامل مُهم جداً في استيعاب كم الأعمال الأدبية المرموقة التي لم تصل الى القارئ العربي بسبب عدم تعريبها.
مكان انعقاد المعرض، وشهرة الكاتب يفرضان على الناشر دراسة الكميات من كل عنوان وضبطها. بالنسبة الى شهرة الكاتب، فهو عامل صعب في الحقيقة على الكُتاب. ففي تونس مثلاً، لا يُتعامل مع الكُتاب على أنهم نجوم. هم مغيبون عن المشهد العام. لا تروّج وسائل الاعلام أراءهم ومواقفهم في الكثير من المسائل التي تشغل المُجتمع التونسي والعالم. في المُقابل، هناك احتفاء بكثير من الشخصيات التي تسمح لنفسها بالجدال في مسائل تقع خارج اختصاصها، وحتى خارج دائرة معارفها. هناك انفتاح على التسطيح والرداءة. وهذا من شأنه أن يحُد من شهرة الكاتب، واشعاع ما يُصدره من كُتب. رغم ذلك، تُمثل بيت الرواية في تونس، وهو أول بيت عربي للرواية، المنبر الريادي الوحيد تقريباً الذي يُقدم الروائيين كنجوم حقيقيين ويفتح لهم المجال للتعريف بتجاربهم الأدبية.