حالة انتظار

1 493

خالد ماضي – مصر

تهبُّ فجأة في جوف الليل مرْتاعاً؛ بينما كل شىء حولك يغرق في سكون قاتل. تتسارع دقات قلبك حتى يكاد يقفز خارج صدرك، كطائر يرفرف بجناحيه على غير هدى من الخوف. عندما تؤوب لنفسك، ويعود رويدًا رويدًا وعيك إليك، تجد ذاكرتك لا زالت ممسكة بتلابيب تلك الكوابيس التي ما برحتْ في الآونة الأخيرة تقض مضجعك؛ تلقي بك في هوة سحيقة مظلمة، فلا تستكين وسادتك وتستشعر دنو الموت.

ـــ “ليْت ما تعاني منه يابني.. ينتقل إليّ؟”

تلك كانت كلمات أمك، حين أحاطتك بذراعيها، وقد امتلأ وجهها بالقلق. أسندْت رأسك إليها؛ تناولت من يديها الحانتين قليلًا من الماء. تدور عيناك في الحجرة. ترقب شهادتك الجامعية المعلقة على الجدار أمامك. يستجمع عقلك كامل انتباهته. تثبّت عيناك عليها. تتأمل إطارها المذهب، والخط الأنيق الذي كتبت به.

من يصدق أن هذه الشهادة رغم قوتها ومكانتها وما بذل فيها من جهد، لم تستطع انتشالك من بئر البطالة المظلم؟! عشر سنين من التخرج، وأنت بقاعه تنتظر؛ عالة على والديك، فإلى متى؟ لقد تورمت قدماك من البحث، وطرق الأبواب، والجلوس على الكافيهات، وحتي الكورنيش ملّ منك، أو مللت أنت منه وأنت تسير بجواره. تحاول حتى أن تبتسم للأفق فلا تستطيع.

تدرك الآن أنك تجلس على قنبلة قد تنفجر بك فى أى لحظة؛ ستبعثر أجزاءك، ستضعك على مفترق طرق، وما أكثر الطرق المعوجّة التي يمكن أن يسلكها الشباب أمثالك. أهونها أنْ يبقوا فى المنزل يتحملوا في انكسار نظرات الوالدين المتساءلة، وتهاجمهم الكوابيس كما هاجمتك الآن.

تعيد رأسك للوسادة. يشملك هدوء وإطمئنان، لكن تبقى عيناك مفتوحتين ترمق بها شهادتك. يسوؤك حالك. تأبى أن تعود إلى هواجسك وأوهامك. تمسح (ملاك الرحمة) براحتها جبهتك تأخذ بالغطاء عليك. تخبرك بأن الدنيا متقلبه، ولقد أتى الفرج، كما يجب أن تزرع بذور الأمل بقلبك. تتابع وقد أخذ صوتها نبرة جدّ وفرحة:

ـــ  لقد عدت اليوم للبيت متأخراً..

 على أية حال لقد استلم والدك من ساعي البريد؛ خطاب تعيينك.

قد يعجبك ايضا
تعليق 1
  1. بسمة الشوالي يقول

    كيف يمكن لعبارة واحدة في النص ( ملاك الرحمة) ان تقلب موازين القراءة وتعيد القارئ إلى بداية القصة متسائلا: من أيّ ضفّة يروي السارد وجعه؟ من ضفة الحياة الجائرة تعصف بأحلام النخبة المتعلمة من المجتمع المصري والعربي عموما، فالشباب التونسي يعاني الخيبات نفسها أم من ضفة الموت عائدا بيأس ممسكا بابتسامة ملاك الرحمة تبشّره بانفراج الأزمة، ( على أية حال لقد استلم والدك من ساعي البريد؛ خطاب تعيينك.) هل هل الخبر بشرى الواقع للحيّ أم ترنيمة الرحمة تربّت على وجع الميت؟ ذلك سرّ القصّة. شكرا لك خالد ماضي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.