خبر سار في يوم حار

0 353

سعيد نعام – المغرب

ظل حائرًا طوال الطريق، يفكر في وسيلة يُنهي بها وجع السفر وبعده في أسرع وقت. داس مكبح السيارة ببطء، وحول السرعة إلى أدناها، هل يعود أدراجه من حيث أتى، أم يواصل السير لعقد صفقة، هي صيْد ثمين ساقه القدر إليه؟

لم يهتد لحيلة تُخلِّصه من تناسل الأفكار وتزاحمها في رأسه، وظل عالقًا بين أمرين؛ أحلاهما قد يكون مرا!

عقارب الساعة بيده تزحف نحو منتصف النهار. جو حار يستوجب قسطًا من الراحة. رَكَنَ سيارته قبالة مقهى، وقبل أن يخرج منها، مرَّر أنياب الِمشْط فوق شعره المنفوش، ولحيته الطويلة المخضَبَّة بالحناء، وراح يعدو بجسم منهك، تجره قدمان داخل نعالة صيفية، يسبقه بطنه المنتقخ ووجه الشاحب، احتمى من قيظ الحر، بفضاء المقهى المكيف، قاذفًا بجسمه فوق أول كرسي صادفه، طلب فنجان قهوة، ودفن وجهه بين راحتيْ يديه ينتظر.

-القهوة سيدي..

رفع عينيه مبتسمًا في وجه النادل، تسللت يده إلى جيب عبائته الفضفاضة، أخرج ورقة نقدية، وطلب منه الاحتفاظ بالباقي.

ثوان قليلة قبل أن تمتد يده لتناول أول رشفة، رنَّ هاتفه المحمول، انقض عليه كما ينقض العُقاب على فريسته.

(الله أكبر ، الله أكبر، الله أكبر)

ظل الرجل يٌكبِّر ويكبِّر رافعًا كفيه إلى السماء. فك أزرار عبائته، وأزاح حزامًا جلديًا أحاط خصره، كان يحوي رِزْمَة من الوثائق، وضعه فوق الطاولة، وواصل التكبير للمرة الثانية بصوت عال، ترافقه حركات انفاعلية، زرعت الرعب بين الرواد؛ انفضوا من حوله، خرج بعضهم مهرولًا لا يلوي على شيء، واحتمى البعض الآخر وراء كراسي، قَلَبوها رأسا على عقب، تكسَّرت صحون وكؤوس ملأى وفارغة، عمَّ الذعر والفوضى المكان، لم ينتبه الرجل لكل ما وقع، قام واقفًا وصار يخاطب شابًا كان بجانبه:

-لقد رُزقتُ طفلا، أصبحت أبا، الحمد لله، يا لسعادتي..!

لم يتمالك نفسه من شدة الفرح، رُزق المسكين طفلًا، بعد عشر سنوات من العقم، سوَّدت الدنيا في عينيه، لكن فرحته كانت ممزوجة بشيء من الخوف والحزن.

راح ينظر إلى من حوله، ثم قال:

-أنتم ضيوفي اليوم، كل ما تناولتموه على حسابي.

حاصر رجال الأمن المقهى، واقتادوا الرجل ضيفا إلى مخفرهم.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.