قراءة في رواية ” طبيب أرياف “

0 662

خـــالد ماضي-مصر

في سرد أكثر من رائع، وأسلوب شيق جذاب، يقدم لنا الأديب المصري والكاتب الطبيب محمد المنسي قنديل أحدث أعماله الإبداعية. رواية “طبيب أرياف” والتي صدرت النصف الثاني من العام الحالي. أنهى الكاتب إبداعه لها خلال عزلة كورونا ـــ كما ذكر ذلك ـــ وأصدرتها دار الشروق في طبعتها الأولى 2020 وتم الإحتفاء بها بتوقيع الكاتب نسخ منها في معرض الإسكندرية الدولي للكتاب. المؤلف له عدة روايات سابقة منها ” قمر على سمرقند “، ” يوم غائم في البر الغربي “، ” كتيبة سوداء ” ….. الخ  وهو حائز على جائزة الدولة التشجيعية عام 1988.

من خلال قراءة متأنية، نجد أن شخوص الرواية أغلبها يعاني قسوة الحياة، وقهر من السلطة ومغلوب على أمرها. الراوي نفسه هو بطل الرواية خريج كلية الطب الذي عاش فترة أواخر السبعينات وهو زمن الرواية عانى من القهر. تبددت أمنياته فى الحياة، فهو الطبيب الشاب الذي سجن فترة بسجن القلعة لنشاط سياسي يعود بعد خروجه من السجن ليزوره مرة أخرى بعد أن تحول إلى متحف؛ لكن المكان أثار لديه ذكريات مؤلمة. عندما تقرر السلطة الإفراج عنه وإعادته إلى عمله، تعاقبه بتسليمه العمل في قرية من قرى الصعيد النائية. يذهب الطبيب إلى عمله الجديد بالقرية، فيجد نفسه في عالم آخر لم يألفه وهو ساكن المدينة بأضوائها. لكنه يأمل أن يعوضه هذا العالم عن حبيبته التي تركته وتخلت عنه فترة سجنه. خلال تعاملاته بأهل القرية يجد أنهم مثله يعانون من القهر ومن الأمراض، أهمها البلهارسيا الذي كان كفيلا بتدمير أجساد الفلاحين.

 تتعرض الرواية لأوضاع تلك الفترة من بداية حكم الرئيس السادات، وأوضاع الفلاحين غير الآدمية رغم أنهم هم الأساس وكل الطبقات تعتمد على مجهوداتهم فى زراعة المحاصيل الغذائية والتجارية لكن السلطة غير مهتمة بهم وهم دائما مشغولين بأعمالهم الشاقة في صبر وأناة.

حتى “فرح” الممرضة والتي كان لها دور كبير في الرواية والتي أحبها الطبيب وفوجىء بأنها متزوجة من ابن عمها كانت هي الأخري مقهورة بزواجها غصبا بحكم العادات والتقاليد. لم تنجب طفلا مع أن حلمها وأمنيتها في الحياة هي إنجاب طفل تشعر معه بالأمومة، بإعتباره شعورا إنسانيا لكل زوجة.

تسير أحداث الرواية وحبكتها فى الصراع الدائر داخل نفس الراوي الطبيب البطل من خلال ذكرياته فى السجن وما لاقاه وكبت حريته مما ولد شعورا بالمعاناة بدا واضحا في سلوكه وعلاقاته مع اهل القرية، من ناحيته أدى واجبه بالكامل في علاجهم والتخفيف من ألامهم حتى أنه بدأ يجرب علاجا جديدا للبلهارسيا.   وبين الطبيب والمأمور الذي رأى فيه رمز السلطة المستبدة. وبين المأمور وبين “الغجر” الذين تعرضت لهم الرواية وسلطت الضوء على ما يتعرضون له من انتهاكات لا إنسانية، وبين الطبيب وبين فرح والتي رأى فيها النموذج الفريد والنقي.

ويلاحظ أن جميع الشخوص فى الرواية مقهورة، كما أسلفنا ويقهر بعضها بعضا؛ العمدة يقهر زوجته التي تزوجها صغيرة جدا على غير رغبتها بعد إغوائها بالمال والمأمور مقهور من سلطة أعلى منه، والغجر مقهورين من الناس والسلطة معاً في آن واحد، مع أن لهم حقوق إنسانية المفترض صيانتها. فرح مقهورة من الزواج من ابن عمها، لكنها قهرت زوجها بميلها للطبيب الذي تعمل معه. الراوي الطبيب مارس القهر على فرح بميله لها رغم علمه بأنها متزوجة وسعيه للتخلص من زوجها بإعطاءه المال ليهاجر عبر الصحراء ويلقى حتفه. أهل القرية الفلاحين مقهورين من الأمراض وخاصة البلهارسيا التي لم يوجد لها علاج تلك الفترة ومقهورين من السلطة بإهمالها لهم وقسوة المعاملة هكذا نجد أن كل الشخوص هائمة تدور في دائرة مفرغة، في نفس الوقت عاجزة عن تحقيق أمانيها وأحلامها في الحياة. كأن الحرية في اختيار الإنسان حياته، بدون إذلال هي إكسير للإنطلاق وتحقيق كل ماتصبوا إليه النفس الإنسانية. في النهاية لا يتوائم بطل القصة مع الحياة في القرية، حتى أنه يكتب طلبا لنقله إلى مكان آخر وتتم الموافقة عليه.

 مما لا شكّ فيه أن رواية “طبيب أرياف” تقول الكثير، تنكأ جراحا قديمة، وتجتر أحداثا للسبعينات من القرن الماضي، لكن بهدف الإنتباه لأهم شىء وهو حرية الإنسان واحترام كرامته شىء أساسي للرضى والعمل والإبداع وحب الوطن وصونه وصولا إلى حب الإنسانية جمعاء.

 

رواية طبيب أرياف
المؤلف: محمد المنسى قنديل الناشر: دار الشروق, 2020 عدد الصفحات: 281
قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.