عربةُ التسوق تنتظرُ أمّي

0 243

علي وهبي – لبنان

لم أعدْ أُصلي يومَ السبت، وكيف أفعلُها في يومٍ كئيب، أستيقظُ متعبًا كأنّني كنتُ رفَّ مكتبةٍ في المنام، لم أعد، مذ سافرتْ، صارتِ الدروبُ كلّها كُتبًا مغلقة، والخطوات أيدٍ مبتورة، وقلبي وسادةً مشلولةِ الأحلام.

لم أعدْ؛ لم تتلاقَ نظراتنا، لم نتبادل كلمتَي وداع، رأيتُ السيارةَ ماضيةً بها باتجاه المطار.

أستيقظُ متعبًا كسؤالٍ لم يجدْ جوابًا في الامتحانِ، كعربةِ تسوّق منذ شهرين لم تدر عجلتاها.

أشربُ فاترًا منكّهًا بعصرةِ حامض، ارتدي ثيابَ الأمس، لا أتواصلُ مع المرآة، أخرجُ إلى الشرفةِ نظراتُ عطفٍ تتكثفُ بيني وبين عربةِ التسوّق، تتوسّلني أرحْ ساعديكَ وخُذني.

منتصف السوق أبدو كإنارة مكسورة الخاطر، لا أدري ماذا اشتري! أسعى بين طاولاتِ البائعين، مِن هذا البائع لم تكنْ تشتري أُمّي، ذاك كانت تفاصله في السّعرِ قليلاً، ولتلك البائعة كانت تبتسمُ، ولذاك كانت تطلبُ مني أن أعطيه الأكياس الفارغة.

لم أكُن أشاركُها في انتقاءِ ما تبتاعهُ، أتقنْتُ دورَ العاملِ الصامت، أتناول من يديها تارة وأخرى من الميزانِ أنقل الأكياسَ إلى العربةِ.

لم أعدْ أفعلُ هذه الأشياء مذ سافرتْ،

كان السبتُ يومًا أشعرُ فيه أنّني اِله صغير يرافق والدتَهُ إلى السَّوق، يتَّبعها كالعبدِ، الخادمِ، وظلِّها، اتوقفُ إن أشارتْ إليّ في الظلّ، وبرفقتها كلُّ الأرض فَيْء.

لم أتواصل معها، لم أسألْها مرّةً “كيفك ماما؟”. صوتُها عبر موجات الاتّصال يفقدُ دفأه، وأنا لا أحبُّ صوتَها باردًا، لعلّي أتكبّرُ على هذه النعمةِ، التي يتمنّاه الكثيرون.

كنتُ كلّما سافرتُ إلى معرض للكتاب منذ أن غزتنا تطبيقاتُ الهواتف الذَّكيةِ أتواصلُ مع أسرتي عبرها، وكنتُ أُوكل أخي الصغيرِ نقلَ السَّلامِ إلى والديّ تسجيلاً صوتيًّا وصورًا…

لم يملكا هاتفًا متطوّرًا، اِعتادا على الهاتفِ الأرضي، ولكن والدتي وبعد أن استقرّت في تلك البلاد القريبة البعيدة، في بيتٍ دافئ الحنين والذكريات، امتلكتْ هاتفًا ذكيًّا خاصًّا بها…

لم أعدْ أطلبُ من أخي إيصال السلام…

استيقظُ متعبًا من الشوقِ والحنين لرؤيتها، لرؤية ظلِّها في البيت، ولسماعِ وقعِ خطواتها، أشتاقُ نزعَ الأسعارِ عن السلعِ كيلا تظنُّني ابتعتُها بسعرٍ مرتفع، لهذا الشوق الذي يعتريني أخذتُ أطلبُ من أختي المسافرة إيصاله، وحدهن الأخوات قادرات على حملِه.

لم أعدْ أرافقُ أُمّي إلى السوقِ لم أعد أصلّي يومَ السبت.

أستيقظُ، أشربُ باردًا منكّهًا بالورد، استحمّ، أتواصلُ مع المرآةِ، أرتدي القميصَ الذي تحبُّهُ والدتي، أقفُ في قاعة الوصول أجرُّ عربةَ التسوّقِ منتظرًا عودةَ أمّي…

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.