قالت

0 266

محمد مصطفي الخياط – مصر

قالت الكاميرا

بكفين واهنتين تَصَفَحت الصور القديمة. ظهر أثر الزمن في جودة الألوان وتسلل خطوط العمر على صفحات الوجوه. منذ عشرة أعوام، وفي ذات التوقيت وقفت الأسرة -مكتملة للمرة الأخيرة- إلى جوار بعضها البعض والتقطت صورة العام. في العام التالي تركوا مكان الأب -في المنتصف- شاغرًا، غافلتُ الزوجة ورسمت عينيها في بحيرتي دموع. عامًا بعد عام كثرت الأماكن الشاغرة والظلال والدموع. وفي هذا العام، لم أجد من يضغط الزر لالتقاط الصورة.

وقالت الصدفة

منذ نحو عام مضي تربصت لهما، كَمُنت لهما في أحد زوايا المجمع التجاري الشهير. كان يتنقل بين المحال متأبطًا وحدته ومشغولاً بالبحث عن هدية لصديق قلما يرضي الزمن ويجمعه به. وكانت تتنقل بين المعروضات تمضغ الملل والانتظار ريثما يطوي اليوم شراعه الطويل.

همست في رأسه فاتجه يمينًا. وسوست في قلبها فانتحت يسارًا. وعند الزاوية كادا يصطدمان. عقدت المفاجأة لسانيهما. اتسعت الحدقات. رششت عليهما عطر المحبة فغمز لي السيد حب بعينه وأشار نحوي بكفه المطوية وإبهامه المفرود إشارة إعجاب. تركتهما وانصرفت مسرعة لترتيب صدفة لآخرين ينتظرون في الطابور الطويل.

عند منتصف الليل كنت قد استنفدت جميع طاقتي وشاغلني النُعاس، تثاءبت ولملمت حيلي الطيبة في كيس الصدف القماش الكبير وألقيته فوق كتفي، ومشيتُ نحو مخبأي يرن في صمت الليل المهيب وقع حذائي الخشبي على البلاط المضلع المبلل بقطرات المطر.

رأيت على البعد في الشارع الجانبي جسدًا مكومًا إلى جوار جدار، اقتربت منه بحذر، دفعته في كتفه برفق، رفعت المعطف عن وجهه، راعني المشهد، كان السيد حب يلفظ أنفاسه الأخيرة، نظرت إليه وكلي تساؤل، (ماذا حدث)، أجابني بصوت متحشرج وهو يشير بذراعه الواهنة في اتجاهات عِدة (للأسف.. غادرا من طريقين منفصلين).

بسرعة وبعفوية ألقيت كيس حِيَلْ الصُدف جانبًا فتبعثرت وتدحرجت دون اهتمام، انكفأت على السيد حب وأسندته على الجدار ورحت أدلك قلبه المجهد وانفخ في فمه قبلة الحياة، ألقمته بعض قطرات من عصير ذكريات الماضي المركز، شيئًا فشيئًا راح يستجمع قواه، وبالكاد استطاع الوقوف متكئًا على كتفي، تأبطه وأعدت كيس الصدف إلى وضعه القديم، فوق كتفي، ومن يومها قررت ألا أترك السيد حب يمشي وحده، صرت عكازه الذي يمشي به، وسِحرَهُ الذي ينفثه في القلوب فتنتعش بالحب.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.