عايش ومش عايش

0 383

أيوب إبراهيم – سوريا

بعد اقالتي بليلة واحدة استيقظت بغرابة شديدة بنفس موعدي ايام العز والجاه، نظرت إلى زوجتي بقربي كانت تغط في نوم عميق، نهضت وفتحت الستائر وهرشت بطني وتمطمطت كمواطن صالح ثم صرت اتجول في الصالون، دخلت المطبخ كالمعتوه لأعد لنفسي قهوة الصباح، فلم أعرف مرطبان البن من مرطبان حبة البركة إيه أيام ما كانت القهوة تصل إلى مكتبي مرفقة بصوت فيروز وايقاع كعب سكرتيرتي الفاتنة. آه تذكرت، تبا لها خطها خارج الخدمة منذ الأمس. كنت اظنها ستحفظ الخبز والملح والاشياء الأخرى.

 فنجاني جاهز سأحتسيه خارجا على الشرفة ألقي نظرة إلى أسفل، سيارتي الحكومية غير موجودة أشعر بالأسى قليلا ثم ارتشف رشفة قهوة، يباغتني صوت زوجتي:

  • لك مين مفور القهوة ع الغاز؟

تنظر إلي باستغراب وتقول:

  • وعشنا وشفناك عم تشرب قهوتك ع البلكون كنت فيقني كنت ساويتلك ياها بدال ما تعملي المطبخ دبس وطحين

ابتسم ببرود واقول لها:

  • صبلك فنجان؟

ترد وتقول:

  • اتلحلح بدي بلش تعزيل وجيب معك هالغراض ولا تنسى تدفع فواتير كلشي.

تستدير لتعود إلى غرفتها، فانتبه أنها ما تزال جميلة وكأنني أراها أيام الخطبة. “ارتدي زيي الرسمي، فلا يمكنك التخلي عن طقوس المنصب دفعة واحدة” قلت في نفسي وأنا أهم بالخروج، اتفقد جوالي “ويلاه لقد تحول إلى جثة بعد أن كان لا يهدأ من الاتصالات”، اخرج من المنزل واسير في الشارع. تبا، ما هذه النفايات المنتشرة؟، أمر على البقال أول الحارة ابادره بالسلام:

  • مرحبا ابو سامي

يرد البقال:

  • أهلين بالأستاذ.

اتذكر أنه كان يناديني المعلم وانا أومئ له من شباك سيارتي وأتذكر أنه مساعد متقاعد وكلمة استاذ في الجيش تعني… أقاطع أفكاري السوداء وأقدم له ورقة الطلبات الخاصة بزوجتي فيقول ساخرا:

  • بدو يجي الشوفور ياخدا ولا سيادتك شخصيا؟

أرد ببرود:

  • جهزا ابو سامي وبس ارجع باخدا وبحاسبك، سلام.

أمر على مركز النافذة الواحدة لأدفع فواتيري، هكذا طقس لم يكن موجودا أثناء وجودي في المنصب. أصعق من مبلغ الفواتير ولكنني ادفعه على مضض، ثم أمر على سوق الخضار فأتحسر على صناديق الخضار والفواكه التي كانت تصلني مجانا، ويلاه ما هذه الأسعار لضروريات الناس؟!، حقا كنت في برج عاجي معزول عن الطبقات الوسطى في المجتمع. أمر من جانب إحدى الشركات التي كان مديرها صديقي، أتذكر الغدوات والعشوات والمغلفات المملوءة برزم الدولارات. أصل إلى طاولة مدير مكتبه، أبادره بابتسامة:

  • كيفك سميع

ينظر إلي بقرف ويقول اهلا وسهلا استاذ ويتابع عمله أقول له:

  • أبو يعرب موجود؟، قله الاستاذ علي جايي يصبح عليك

أتذكر كيف كنت أدفش الباب بقدمي وسميع يلهث ورائي كالكلب قائلا:

  • اهلين اهلين معلم، المعلم بانتظارك

يقطع سميع شرودي قائلاً:

  • بعتذر منك المعلم مو فاضي عنده اجتماع

أرد بارتباك “طيب بمرق بوقت تاني”، أخرج والغيظ يأكلني “له يا ابو يعرب له، وأنا اللي كنت مفكرك صديق!”. أقرر تجريب النقل العام كمواطن صالح، أصعد في السيرفيس وأسمع همسا وتغامزا من سيدتين كبيرتين ثم صوت احداهن “عاليمين زكاتك”. وهي تهم بالنزول تبتسم ببلاهة وتقول:

  • واصل أستاذ.

أتساءل بيني وبين نفسي بصوت عادل إمام “مين دي؟”. قبل أن أنزل في موقف لاحق، انظر لواجهات المحلات. كل شيء متوفر لكنه غير متاح، أسعار لم أكن أشعر بثقلها كون منصبي كان يوصل لي كل شيء مجانا، بل ومع ثمنه أيضا. أقف في منتصف الطريق، أرفع رأسي للسماء وأتساءل “كيف هالناس عايشة”، تأتي سيارة فارهة تدهسني أسقط عن السرير مع صوت عمرو دياب يوقظني، ضجيج الجيران بانتظار شاحنة الخبز، كهرباء مقننة وبداية يوم يشبه سابقه ناقصا حلما لن يتحقق، حقا كيف هالناس عايشة؟.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.