فرحــــتان!

0 188

خالد ماضي – مصر

طلب قهوة سادة كعادته، وحين سألني:” تشرب إيه..”  قلت وأنا مشغول بوضع مفكرة وقلم على المنضدة تحسبا لفكرة طارئة أسجلها: ” شاي مضبوط.” في حركة شبه آلية تناول واحدة من علبة سجائره الفاخرة، لم يلبث أن وضعها بفمه وأشعلها. تصاعد الدخان صانعا دوائر أخذت تتقاطع في الهواء إلى أن تتلاشى..

تركته يمتص النيكوتين ورحت أفكّر على ما طرأ عليه من تغير.. عشقنا التجوال في المدينة لدرجة أن المقاهي جميعها تعرفنا، ألفنا وجوه الناس. يصحبني للصداقة القديمة، وأنا أبحث عن المتعة التي لا تقدّر عن طريق الحركة والتأمل في أحوال الناس والبحث عن أماكن وأفكار جديدة.

نتحدث حين نجلس على المقهى في أمور شتى.. كنوع من الفضفضة عرفته مدخناً شرها، يحتفظ بعلبتين من السجائر أينما ذهب. أصبح لا يحمل إلا علبة ويأخذ وقتاً طويلا كي يتناول سيجارة بعد أن كان لا ينتهي من واحدة إلا ليبدأ في أخري. هو يعمل في شركة مقاولات تعطيه مرتباً ضخماً، له زوجة وأولاد ومستقر اجتماعيا.

لم يهتم بالقراءة، لكنّه فاجأني بطلب كتاب فأعطيته إياه بفرح شديد قلت في نفسي: ” من واجب القراء أن يجذبوا غيرهم لدائرة الثقافة “بعد أن فرغ منه تناقشنا فيه بصورة مفيدة ممتعة لعقولنا و تابع قائلا:” هل تعلم أنني لا أجد نفسي إلا معك وفي أحاديثنا الشيقة.”

نظرت إلى البحر كانت صفحة المياه هادئة تبعث على البهجة، والأمواج تأتي لتعطي سلاماً للشاطئ ثم تغادر، تماما مثل الكتب تمنحنا كل شيء جميل. أخذ يتابع رشف قهوته ويقول:” أريد كتابا آخر لأقرأه لقد ندمت على عمري الفائت دونها، لقد قررت اليوم بيني وبين نفسي ألا أتناول إلا خمس سجائر في اليوم إلى أن أترك التدخين تماماً وسأشتري بدلا عن ذلك كتبا لأقرأها. انبعث السرور إلى وجهي وقلت: ” حسناً تفعلْ يا صديقي، وإليك الكتاب” في نفس الوقت أمسكت بالقلم لأسجل الفكرة، أسعدني حضورها هي الأخرى ثم غادرت في سرعة منتشيا وأطرافي تأتي بحركات غريبة والشوارع تملأها الدهشة التي أطلت من عينيه.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.