نصوص مختارة

غسان... الصُنْدوقٌ المُكْتَظُّ بٱلأوْهام. الوَحيدٌ كَمَعْبَرٍ بَيْنَ أشْجارٍ ذاوِيَة.

0 197

 غسان الخنيزي – السعودية

النُّفَساء

حَسْرَتي لا يَعْرِفُها إلّا ٱلمَهْدُ ٱلَّذي فَقَدَ ٱلوَليد.

الحَسْرَةُ ٱلَّتي لا يُقاسِمُنيها سِوى ظِلّي، خَليلي،

مُؤْنِسُ وَحْشَتي ذاتُه.

عِنْدَما مَدَّ كَفَّهُ ٱلمَرْعوبَةَ في ماءِ وَجْهي

أيْقَنْتُ أيُّها ٱلبَهِيُّ أنْ لا نَرتئِيَ إلّا ٱلغِياب.

يا ابْنَ الشَّذا ٱلمَلْفوحِ بِٱلمِلْحِ

ٱلمَوْجوعَ بِرَحْمَةِ الذَّهابِ

السّابِحَ في التَّرانيمِ الدّانِيَةِ مِنَ ٱلقَلْبِ

ٱلَّذي يَنْدَثِرُ بَيْنَ أيْدي ٱلأمُّهات.

المَرْأَةُ ٱلَّتي تَتَوَسَّدُ ٱلماءَ السَّخينَ تَضْرِبُ ٱلهُوَيْنا

كفًّا بِكَفّ.

 

زِراعَةٌ في الوَقْت

النَّهارُ الذّابِلُ في ٱلمَراعي

يَأْخُذُ ٱلأمُهاتِ إلى ٱلمَصاطِبِ ٱلحَجَرِيَّة

وأشْياءَ ٱلمَدى ٱلمَسْكوبِ على ٱلمَشْهَد.

ماءُ النَّهارِ ٱنْقضى

والنِّسْوَةُ على الضَّوْءِ ٱلْتَفَفْنَ،

مِثْلَهُنَّ ٱلفَراشاتُ ٱلوَليدة.

دَوِيُّ ٱلأمُّهاتِ يَعْلو،

وأُخْتي ٱلوَحيدَةُ بَيْنَهُنَّ

تُرْخي هَيْئَتَها،

في حِجْرِها يَغْفو النَّهار.

 

النِّسْوَة

يَرْتَديْنَ ٱلحَلْقاتِ وٱلأساوِرَ وسِحْنَةَ ٱلأبْوابِ ٱلمُوْصَدَة. يَكْتَحِلْنَ بٱلكافورِ وٱلحَبَق. لِلْغَسَقِ ٱلقَهْوَةُ ٱلمُرَّة. لِصَوْتِهِنَّ رَنينُ أسْواقِ النُّحاسِ وٱلمَوانِئُ ٱلمُقْبِلَة. لإحْداهُنَّ يَدٌ مَبْسوطَةٌ في ٱلهَواءِ ٱلخالِص. لِلأُخَرى يَدانِ مُتَصالِبَتان وهَيْئَةٌ مُكَلَّلَةٌ بٱلفِضَّةِ وٱلحُجُبِ ٱلمُضَلَّلَة. ها قَدِ ٱنْكَفَأنَ بالرَّهْبَةِ على ٱلأرْوِقَة. لا أيْديهِنَّ ٱلمَوْشومَةُ بٱلأزْرَقِ ولا الصَّبايا حامِاتُ ٱلخَوابي يَرِدْنَ ٱلماء. لَيْسَ نَهْرًا. ولا ٱلأُخْرَياتُ الذّاهِباتُ بٱلمُلاءاتِ المُغَبَّرَةِ اللّهِثاتُ خَلْفَ السَّمَكِ والتَّمْرِ ٱلمُحاصَص. لَيْسَ نَهْرًا.

 

شادية

وأنتِ نائمةٌ

مسحتُ على جبينِكِ مسحتين، ورحتُ أُضيءُ بهما

المكان

ونورٌ شفيفٌ تغلغلَ حيثُ ذهبتُ، من غرفةٍ

لأخرى

وانتبهتُ إلى روحي تبعثُ النورَ حيث لامسَتْكِ،

وحيثُ أضاءت.

 

وأنتِ نائمةٌ

حيث جاءتِ الكفُّ على الكتفِ

عرفتُ أنّي أحِنُّ إليكِ… وإليَّ

فتركتُكِ، أتفحّصُني حيث استجدّتِ التضاريس

وحيثُ أحببتُ نفسي

وحيثُ أخذتُ أعدّدُ أشواقي، أرتّبُها

أتذكّرُ كيف جمعتُ كلَّ واحدٍ منها

وفي أيِّ مطرحٍ من جسدي قد استقر.

وأنتِ نائمةٌ

تذكّرتُ أنّي خفيفٌ، كطيفٍ أو خيالٍ

وأنّي أكادُ أذوبُ… في حياتي.

 

فقه المكان

بمِنْجَلٍ، أو هلالٍ، أو بالهُدْبِ لدَى النظر

نَحْصُدُ حِزَمَ الضوءِ

نخبِّؤُها جيّدًا في الكيسِ، أو في تلافيفِ المنام

ونحن ننظرُ بِكلِّ الرضا إلى السماءِ، إلى الثُّقبِ الأسود.

 

النهاية! النهاية! واللاشيء هو المُبْتغى.

 

وإلّا، لِمَ كلُّ هذه الحركةِ، وكلُّ الضجيج

وتلك الحشراتِ التي تَكِدُّ

والقُطْعانُ التي تَحْرُثُ المراعي في الجوار

والأسرابُ التي تهتاجُ بالنشوةِ

كلّما لامَسَ مِجَسّاتها ذلك الهواء

هواءُ المتوسط، هواءُ الفينيقيّين.

 

الأقوامُ التي فارقَتْها جبالُ القوقاز

قطعتِ البراري والوِديانَ، وأهوارَ الجنوب

كلّ هذا من أجلِ النهاية!

الأقوام التي استهوتها مستنقعاتُ الملاريا

والأنيميا المنجليّة والتراخوما.

 

أيُّ مَكَدَّةٍ كانت، وأيَّ وَهْمٍ خبَّؤوه في مصابيحِهم

التي حَمَلوها عَبْرَ الصحارى والأهوار

التي طافوا بها خارجَ المدنِ المسوّرة

دونَ أن يَرَوا عرباتِ الآشوريين

أو الألواحَ التي كُتبت بالمسامير

أو بابلَ التي تتألّقُ كشمسٍ مُذكّرة.

 

أيُّها الأسلاف!

كيف لكُم أن تنتهوا بنا ههنا

تمرٌ حامضٌ، ورطوبةٌ وعماء

لستم سومرَ ولا بابل.

أيُّ أسطورةٍ بيضاءَ، إذًا، أنتم؟

الحكمةُ صمتٌ أصفر.

مقطع من نص “تشبّب”

يجلِسُ اثنان وينتقان من اتّفاقٍ إلى آخر بالكلام، يسهمانِ لدقائقَ تطولُ زمنًا، المحيطُ حولهُما فسيحٌ، وتصبِغُ وجهَ كلٍّ منهما ظالٌ تتماوجُ ولا تتغيّر ألوانُها كما هو الأمرُ في يومٍ غائمٍ حين تكون الزرقةُ بدرجاتها سيّدةَ اللون… هكذا روحي تعيشُ حالةَ الزُرقة، الزرقةُ أكثرُ الألوانِ حكمةً، وندرةً في سيرةِ جسدي ومعاشِه، ربما لذلك كنتُ في حياتي أَمْيَلَ إلى الحُمُقِ مني إلى الحكمة… ذلك لأني ما أخلصتُ لروحي إزاءَ إغواء جسدي، جسدي الذي أحببتُ ومنحتُ جُلَّ اهتمامي ووقتي، أرعاهُ وأتشبّبُهُ وأهيمُ به.

 

أراني النرجسَ الذي رأى صورتَهُ وعاشَ هُيامَها إلى الأبد. الجسدُ حيث الحسّ، حيث الألمُ واللذَّةُ يتناوبان، حيث إدمانُ اللذَّةِ وما يكونُ بين لحظاتها من ألم: كلّما كَبُرَتِ اللذةُ كان الألمُ أعمقَ وأكثرَ انغراسًا في الأنسجة. إغواءُ الجسد زَيّنَ لي أنّ الروح ستكون هنالك دائمًا: أن أهجرَها ثم أعودَ لحظةَ يخذلُني جسدي أو ينسحبُ على ذاتِه فأراها قائمةً عليّ… ترعاني وتؤنسُني في حدائقِها، في أماكنِها التي تشبهُ البيوتَ ذاتَ الفناءِ المفتوح… السماءُ،

والزرقةُ تهبطُ على المكان…

عندما أرى الأزرقَ في حياتي تراني أتلصّصُ النظرَ إليه مخافةَ أن يلحظ تلصُّصي وإحساسي بالتقصير الذي يصل حدَّ الجُرْمِ في حقّه… في حقّ روحي.

 

أنا

صُنْدوقٌ يَكْتَظُّ بٱلأوْهام. وَحيدٌ كَمَعْبَرٍ بَيْنَ أشْجارٍ ذاوِيَة.

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.