الانسان الخاوي ” نظرية الراحة”

ذنب المعرفة، وشهوة الاقتراف

0 420

سامي الطلاق  – السعودية

ها نحن نرتكبُ هذا..

مرة أخرى.. مرات كثيرة سابقة..

سؤال المعرفة من المآزق التفصيلية غير المفضّلة للإنسان المستريح المستكين. “لماذا نعرف، ونحن في راحةٍ على الأقل؟!” أليس هذا المنطق يبدو منطقيًا! فنحن نريد الاستراحة وقد نحسّها بلا تكبّد الأسئلة المؤرقة للعقل، فمقدمة “المطلوب” وجدناه بلا (كيف؟) وبلا (لمَ؟).

حسنًا. لن نفكّر كثيرًا هنا بداخل المقال، فالإنسان الحالي لا ينقصه أرقٌ آخر؛ بل نحاول أن نسبح بفضاء الفضول وحسب، بلا غاية معينة كجوابٍ نهائي. تبدو الكلمات صعبة الإمساك حين مشاكستها لنعرِف. اللغة لا تفكّر أو نحن نلقمها ذواتنا، ونلبسِها مشاعرنا بشكلٍ أو بآخر. تيار المعرفة هو الدافع والمحرك أو “الدينامو”. فنحن لأننا “نعرِف”، ودافعنا هو هذا الذي يحثُّنا، نمارس طرق الأبواب، أو نقر لوحة المفاتيح أو الكتابة بالقلم، أو أي فعل ما كغسل الصحون مثلاً؛ لأننا نعرف أن هذا الفعل صحيح؛ ومقابل معطيات أخرى عرفنا بها أن ترك بعض الأمور هو الأصحّ.

فالبداية عرَف”-تعريف- معرفة” ليست شيئا آخر. أليس ممكنا!

نحن “متورطون” نوعًا ما – شئنا أم أبينا أم هربنا بعيدًا – في مأزق السؤال. متورطون منذ (أبينا الأول)، أو منذ أن (عرف) بعد أكله “المنهيّ عنه” من الشجرة لعلّها شجرة المعرفة؛ أي حين عرَف ثم نزَل. عرَف الإنسان – ومنها المعرفة- فبات حملهُ الأيديولوجيّ وذاته المكونة من العواطف والمشاعر ومحيطه الاجتماعي الذي يصبغ هويته البشرية. بات انسانًا يعرف ويعقِل ويقتله الفضول أحيانًا. شجرة المعرفة نأكل منها يوميًا نتغذى منها صباحًا مساءً وما بينهما، فنثقُل ونشعر بالكدّ من الوجود وسؤاله الملحّ.

فتنة الأكل والمعرفة

التفاحة التي لم يقضمها نيوتن وفضّل أن يعرف كانت من ذات الشجرة. هذا التفاح اللذيذ نأكله دون أن نسأل “من زرعه وقطفه؟” السؤال الذي يبدو بائسًا أحيانًا.

اللغة ليست أقل مما ذكر. هي مراوغة الكاتب “الملقِم” للحروف مشاعرَه، فمعرفتها دلّتنا على هلمسليف “مقدمة في اللغة” ودي سوسير “دروس”، وقبل ذلك بزمن طويل على “المعري” و”الفراهيدي” فكتبوا وتكلّموا عن الفتنة، وبعد ذلك النظام اللغوي والتوليدي “تشومسكي”. حسنًا “بتنا نعرِف” عن المعرفة التراكمية التي قال عنها داروين “أخيرًا استرحتُ من كتابي البغيض هذا” يعني “أصل الأنواع”، فكدّ ليعرف ويمشي على الصراط ليصل لحقيقة جوهرية ما.

هل المعرفة أوبة؟

بمعنى العودة لا وهم التقدّمية. نحن “ما حدَث” وفقط؟، نحن نكتشف ذلك؟ هذا السياق يبدو وجوديًا صرفًا؛ لكنّ الوقوف، على صخرة عالية، يجعلنا نرى الوجود بعدسة صغيرة: “الناس كالنمل والبيوت بين أصبعين”؛ والحياة نسبية بكلّ شيء كأن ذلك بشكلٍ مطلق ولانهائي. كما عبر تشومسكي عن اللغة مثلاً ” جمل لامتناهية”، يتوالد وهم اللانهائي والمطلق، وهو ما يدعونا أن نقِف على صخرة ونستريح قليلا بطريق المعرفة – نحن نعرف مسبقا أن الراحة على الصخرة- لنعود لكينونتنا “وجودنا” الجوهري نلمسه بلا أي تعقيد ولا ضبابية تحول دون رؤية وجودنا المتواضع أمام هذا الكون الواسع جدا.

هذا مريحٌ حقًا أن نعود. العودة مع صبغة الحنين الأصيل المتجذر بالفرد البشري، ولا تعني الانتكاس مطلقًا بل هي المعرفة – دربها لا يبدو للصعود وقد نزل بها البشري لقتل أخيه عبر السيف والمسدس والقنبلة والسمّ – هي العودة للجوهر وحسب.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.