الجزائر في الأدب الروسي

0 664

إدريس بوسكين – الجزائر

لطالما كان اهتمام كتاب روسيا ودور نشرها منصبًا على بلدان المشرق العربي، وما كتب حقيقة عن الجزائر -والبلدان المغاربية عمومًا- يعد على الأصابع؛ فحضور شخصية الإنسان الجزائري في الأدب والفكر والتاريخ الروسي ضعيف جدًا باستثناء بعض الإصدارات الأكاديمية والترجمات.

البحث الروسي في تاريخ المنطقة المغاربية وآدابها، وخصوصًا الجزائر، لا يمكن رصه بأي حال من الأحوال في خانة “الاستشراق” أو “الإستعراب” (الاستشراق في جزئه الخاص بالعالم العربي)، لأن المنطقة المغاربية وشمال إفريقيا ككل لم تكن يومًا ضمن المجال الحيوي للروس على عكس الأوروبيين (خصوصًا الفرنسيين) فالاستشراق الروسي تركز أساسًا على آسيا الوسطى والقوقاز ونوعا ما تركيا والمشرق العربي.

يقول الكاتب المختص في الأدب الروسي عبد العزيز بوباكير إن أول حضور لصورة الجزائري في الأدب الروسي كان في إطار “أدب الرحلة” من خلال كتابات عسكريين وباحثين رحالة وهذا بداية من مطلع القرن السابع عشر. غير أن هذه الرحلات لم تكن منتظمة بأي حال من الأحوال؛ وهذا للبعد الجغرافي للجزائر عن روسيا وأيضًا لكون المنطقة المغاربية خارج مجال الهيمنة التقليدية الجيواستراتيجية للروس، كما هو الحال مع القوقاز أو آسيا الوسطى أو حتى خارج دائرة الصراع الحضاري كما هو الحال مع تركيا.

كان العهد السوفياتي أهم فترة شهدت اهتمامًا روسيًا بالأدب الجزائري -يقول بوباكير- حيث شجعت العلاقات السياسية الممتازة بين هذا الاتحاد والجزائر، وكذا التحالف الأيديولوجي الذي كان بينهما على حركة ترجمة لعدد من الأعمال الجزائرية إلى الروسية، وخصوصًا الروايات والشعر، بالإضافة إلى عدد من الإصدارات الأكاديمية في هذا المجال.

هذا الاهتمام النسبي، في الحقيقة، هو نفسه الذي عرفته أيضًا بعض الآداب العالمية من البلدان الاشتراكية السابقة من مختلف القارات، والتي كانت في تحالف مع الاتحاد السوفياتي أو في حالة تبعية له. في هذا الإطار، تمت ترجمة أعمال لكتاب أبرزهم محمد ديب على غرار روايتيه “صيف إفريقي” (1962) و”الدار الكبيرة” (1956) ومجموعته القصصية “في المقهى” (1958)، بالإضافة إلى أعمال كتاب آخرين ككاتب ياسين ومولود فرعون وآسيا جبار وهم في أغلبهم ناطقين بالفرنسية وهذا للهيمنة الكبيرة للغة والثقافة الفرنسية على الجزائر آنذاك ولتفضيل الروس التقليدي للفرنسية على العربية، ثم فيما بعد لعدد قليل من أعمال نظرائهم من الناطقين بالعربية كالطاهر وطار.

هذه الإصدارات المترجمة لا تتوفر اليوم بمكتبات بيع الكتب الروسية المتناثرة عبر العاصمة موسكو وبقية المدن الروسية، وإنما تتواجد غالبًا في عدد من مكتبات المطالعة الوطنية الكبرى التي تضم الأرشيف وأعمال أدبية مترجمة من مختلف البلدان، والتي يقصدها أساسا الباحثون المتخصصون على غرار مكتبة لينين الوطنية، بالإضافة طبعًا إلى مكتبات الجامعات الكبرى.

فيما يخص الإصدارات الأكاديمية والبحثية التي تناولت الأدب الجزائري بشكل عام نذكر مثلا “أدب الجزائر” (1993) لكل من أولغا ديمكينا وسفيتلانا براجاقينا.

في الرواية، يبرز الكتاب الجامع “تاريخ الأشكال الروائية في الآداب الإفريقية” (2010) الذي يتطرق لتاريخ الرواية الإفريقية المعاصرة -في شمال القارة وبلدان جنوب الصحراء- ومنها الجزائر سواء الأعمال الناطقة بالعربية أو الفرنسية، وقد صرح معدوه بأن الهدف منه هو التعريف بالأدب الإفريقي المجهول “بشكل كبير” لدى القارئ الروسي.

أما في الشعر، فقد ظهرت منذ الستينيات إصدارات أكاديمية وترجمات خاصة بشعراء الجزائر، وأخرى في إطار كتب جامعة حول الشعر العربي أو الإفريقي من بينها “شعراء الجزائر” (1965) وأيضا “الشعراء الشباب في البلدان العربية” (1965) وفيه تعريف بشعراء شباب (آنذاك) من البلدان العربية ومنها الجزائر كمالك حداد؛ بالإضافة إلى “صباح شعبي: الشعر الجزائري المعاصر” (1976) والذي يحتوي قصائد لشعراء جزائريين من الستينيات والسبعينيات، وأغلب ترجمات هذه القصائد كانت من الفرنسية إلى الروسية.

لعل من أبرز الباحثين الذين تميزوا أيضًا بكتاباتهم حول الأدب الجزائري اللسانية والناقدة غالينا دجوغاشفيلي (حفيدة الزعيم السوفياتي ستالين). وقد تحقق لها ذلك بسبب لدراستها للغة الفرنسية، وزواجها من جزائري؛ حيث أصدرت العديد من المؤلفات في هذا المجال على غرار “الرواية الجزائرية الناطقة بالفرنسية” (1976)، و”الشعر في المنطقة المغاربية” (1978) الذي خصصت جزء منه للجزائر، و”شعر جزائري من القرن العشرين” (1984) الصادر في إطار سلسلة “شعر إفريقي من القرن العشرين”.

حاليًا، حركة ترجمة الأعمال الأدبية الجزائرية إلى الروسية تكاد تكون منعدمة، باستثناء بعض الأعمال الناطقة بالفرنسية، كبعض روايات ياسمينة خضرا وبوعلام صنصال، وهم كتاب صنعوا شهرتهم في فرنسا وليس في الجزائر؛ وهكذا فإن روسيا التي لها اهتمام كبير اليوم بالحركة الأدبية في الغرب، قامت بترجمة أعمال هؤلاء فقط لأنهم اشتهروا في فرنسا وليس لأنهم جزائريين، وكأن الأدب الجزائري يجب أن يمر بفرنسا ليشتهر في العالم. يحدث كل هذا في غياب مؤسسات الدولة المختصة بترقية الأدب الجزائري في الخارج والتعريف به وعلى رأسها وزارة الثقافة، خصوصًا وأنه لا يوجد بالجزائر أي مركز وطني مختص في الترجمة.

في الجامعات ومكتبات بيع الكتب الروسية، يستطيع الانسان بسهولة أن يلاحظ أن الأكاديميين والمترجمين الروس يعتبرون هذه الأعمال الناطقة بالفرنسية وكأنها “غير أصيلة” ولهذا فهم يدرجونها عادة ضمن “أدب المستعمرات الفرنسية السابقة”، وهكذا هم يدرسونها غالبًا في أقسام اللغة الفرنسية في الجامعات مثلها مثل الأدب السنغالي أو الكونغولي، بل إن تعابير بعضهم المتعلقة بـ “إفريقيا الفرنسية” و”إفريقيا الانجليزية” مازالت دارجة إلى اليوم في أفواههم، ولا يجدون أي حرج في نطقها وكأن هذه البلدان لم تستقل إلى اليوم في نظرهم على الأقل ثقافيًا.

في ظل الغياب الكبير للترجمات، تبرز بالمقابل دراسات أدبية جامعية وبحثية حول واقع وتاريخ الأدب العربي والإفريقي ومنه الجزائري، ويمكن ملاحظة هذا الأمر في المجلات المتخصصة والمواقع الإلكترونية وإصدارات مراكز البحث.

الأدب الفرنسي شوه صورة الجزائري

إن صورة الإنسان الجزائري في الأدب الروسي شكلتها أيضًا العديد من كلاسيكسات الأدب الفرنسي التي تتحدث عن الجزائر؛ وهي في الكثير منها محقرة وموالية للحركة الاستعمارية، ومعروف أن للروس إعجابًا كبيرًا بالأدب والثقافة الفرنسية؛ ولهذا فقد ترجموا الكثير من هذه الأعمال على غرار بعض كتب غي دي موباسان التي تفتتن بالجزائر كأرض وجغرافيا، ولكنها تصف الجزائري بأقبح الصفات.

في روسيا، يعتبر بعض الكتاب والمفكرين المولودين بالجزائر إبان الاستعمار الفرنسي كجاك دريدا وألبير كامو فرنسيين قلبًا وقالبًا، ولا يمتون للجزائر “الجزائرية” بصلة، وهذا ما يدرس في جامعاتها؛ كما أنه ليس من الصعب اكتشاف ذلك في مختلف الإصدارات الأدبية والفلسفية المتعلقة بهم والمنتشرة كثيرًا في مكتبات بيع الكتب؛ وحتى المثقفين “الجزائريين” الذين عاشوا في الفترة الاستعمارية الرومانية واشتهروا وعرفوا عالميًا بفضل تبنيهم للثقافة الرومانية كرجل الدين الإصلاحي القديس أوغسطين والروائي لوكيوس أبوليوس يعتبرون في روسيا “رومانا” ولا توجد أصلا أي إشارة لجزائريتهم أو حتى لوجود أي كيان جزائري قائم بذاته في تلك الفترة، وليس صعبًا أيضًا ملاحظة هذا الأمر في المكتبات الروسية، وهذا ليس غريبًا لأن جل ما يغترفه الروس من معارف تاريخية حول الجزائر مصدره الأساس فرنسا؛ ولهذا فإن التاريخ الجزائري مزيف بشكل كبير أكاديميًا وثقافيًا.

كتب عامة حول تاريخ وثقافة الجزائر

خارج مجال الأدب، هناك بعض الكتب التي تناولت بالدراسة التاريخ والاجتماع والاقتصاد والثقافة في الجزائر، ولكنها قليلة جدًا وغير معروفة لدى القارئ العادي، ولعل أشهرها لروبرت لاندا الذي يعتبر أبرز من تخصص في هذا المجال، ومن كتبه “الجزائر تتخلص من الأغلال” (1961)، و”الحركة الوطنية التحريرية في الجزائر، 1939- 1962″ (1962)، و”صعود الحركة المناهضة للاستعمار في الجزائر، 1918- 1931″ (1977)، و”تاريخ الثورة الجزائرية” (1983)، و”أزمة النظام الكولونيالي في الجزائر، 1931- 1954″ (1980)، و”تاريخ الجزائر في القرن العشرين” (1999).

من الإصدارات المعروفة، أيضًا في هذا المجال، “الجزائر” (1877) لألكسندر كوراباتكين، و”الجزائر في العصر الحديث” (1894) لموديست باغدانوفيتش، و”الجزائر في العصر الحديث والمعاصر” (1992) الذي جاء في إطار سلسلة ضخمة حول “تاريخ بلدان إفريقيا”؛ كما تبرز أيضًا الدراسات المتعلقة بالتراث مثل: “الجزائر على ثلاث طرق” (2019) لماريا فيدياصوفا وفلاديمر أورلوف، و”اللهجة الشعبية المحكية للغة العربية في الجزائر: العادات والفلكلور” (2006) ليوري كودريفتسيف، بالإضافة إلى بعض الكتب المتعلقة بالأمير عبد القادر كـ “دولة عبد القادر الجزائري” (1973) لنتاليا خميلييفا و”عبد القادر” ليولي أوغانيسيان.

هناك حتى إصدارات جديدة، حول الجزائر صدرت في الأعوام الأخيرة، يمكن إدراجها في “أدب الرحلة” أو “المذكرات” لروس كانوا قد زاروا الجزائر وعاشوا وعملوا بها على غرار مارينا سوكولوفا وكتابها “رومانسية إفريقية” (2013) الذي يحكي عن حياة مجموعة من السوفيات كانوا قد عاشوا بالجزائر في السبعينيات والثمانينيات، ونتاليا يولينا ومؤلفها “ديخترينا” (2018) الذي خصصت فيه فصلا للجزائر بعنوان “الجزائر: مذكرات أستاذ” عادت فيه لفترة عملها بالبلاد في السبعينيات كأستاذة رياضيات بمعهد للمحروقات.

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بداية التسعينات، لم يعد للروس أي اهتمام ثقافي بأغلب البلدان الاشتراكية السابقة التي كانت في تحالف أو تبعية لهذا الاتحاد، إذ صارت الآداب الغربية وخصوصًا الأنجلوساكسونية منها مركز الاهتمام الأكبر، بالإضافة إلى آداب بلدان أخرى حضارية كالصين وتركيا؛ فبمجرد دخول أي مكتبة لبيع الكتب في موسكو سيلاحظ القارئ بسهولة ذاك العدد الكبير لروايات أورهان باموق أو مو يان المصطفة على الرفوف. هذا التحول تشهد عليه أيضًا الكثير من السلوكيات البراغماتية للروس، والتي منها مثلا نزع تسمية “باتريس لومومبا” من جامعة موسكو الدولية وتغيير اسمها مباشرة إلى “الصداقة بين الشعوب”؛ إذ لم تعد هناك فائدة اليوم لا من الثائر لومومبا ولا من عقيدته الاشتراكية.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.