رواية طرق و مدن .. رواية سعودية بامتياز

مراجعة انطباعية

0 1٬098

ثامر الحربي–  السعودية

الامتلاء بالمكان قبل مغادرته ووداع الشخوص داخل السرد والسير الطويل في صحاري  ومزارع نجد تحديداً المناطق المجاورة  للرياض لإحياء تفاصيل صغيرة اعتاد أن لا يلقي المسافر (العادي) لها بالاً لأنها اعتيادية فلا يهتم بتوثيقها، كاتب  رواية (طرق ومدن) أحمد الحقيل ليس  مسافراً  عادياً .. رغم إعتيادية  المكان بالنسبة له .. فليس هو الغريب عن نجد ولا عن الرياض أو المجمعة وسدير  .. وذاك ما يبرع فيه، أعني وصف المدينة والطريق  مروراً بالإنسان.

*‫**

“ليس هنالك شيء محدد يميز هذا الطريق. خطٌ شبه مزدوج ومتعرج يربط الرياض وقرى ومحافظات شمال نجد، يخترق أكثرها ويدخل بك وسطها موازياً الطريق السريع الجديد”، هكذا جاءت مقدمة الرواية .. لا شيء يميز هذا الطريق .. هذه الجملة الباردة  تنتهي بك  داخل دهاليز الطرق المتعرجة  والبيوت القديمة والشخصيات العابرة التي تصادفها أنت مع الكاتب  وكثيرا ً ما تقول : آه  كأني أعرف هذا الشخص .

وهذا الاحساس نابع من حيوية  وواقعية الحياة التي يصفها الحقيل على لسان الشخصية نفسها ولسان الكاتب  المتفحص في التفاصيل الصغيرة التي لا يدع للقارئ مجالاً للهروب منها. إن شخصيات (طرق  ومدن) تأخذ منحى اسطوري من حيث الشكل .. محلي موغل في المحلية من حيث المضمون، ساعد ذلك الاحساس أن الكاتب أخذ يستفز القارئ بذكر اسم الشخصية  الثنائي شاطباً اسم القبيلة، مثل : فهد بن صالح ال****

هذه الطريقة اشعلت الجانب الفضولي لدي هل يا ترى ينتسب  للقبيلة الفلانية أو العائلة العلانية، ويساعدك وصف المكان الذي  يحفز تذكر مواطن القبائل النجدية، لكن الكاتب  يتجاوز ذلك باسترساله في وصف أبعاد الشخصية وكأنك امام شخصية تتجسد درامياً امام عينيك .

‫***

تشعر  أن الحقيل كائن  نهاري يختزل مشاهده وشخصياته  تحت ضوء الشمس، ليذهب إلى بياته الليلي حيث يُلبس  التفاصيل رونقها السردي بأسلوب متأمل في العلاقات الاعتيادية (علاقات الأقارب وعلاقة الانسان بالمكان، الزمن أيضاً احتل مساحة من الوصف) يمزج ما بين التقصي الصحفي بالأدب. كما يحسب لهذا العمل انه لعب على مناطق باردة  وأخرى مسكوت عنها لا لشيء إلا لهامشيتها  إذ توقفت  كثيراً أمام إحدى الشخصيات التي تعمل في قطاع أمن الطرق  وبائع الخضار المتجول.

يستعرض الحقيل مواضيع نجح في توظيفها سردياً  بلسان شخصياتها ولامستني كقارئ كثيراً كالزراعة والترحال والاستراحات وحكاياتها، برود العلاقات الزوجية  وكل حالة  وضع لها إطار مكاني فريد .. يستكمل فيه طريق الرحلة، كما لفتني اشتباك الفصحى باللهجة المحكية مما زادني قرباً من الشخصيات.

***

صراع القديم والجديد داخل السرد وصلني عندما قارن الكاتب بين الطرق القديمة ومثيلاتها الجديدة، رغم أن الطريق يوصلك حيثما أردت ولكن بحسب رأي الكاتب ان الطرق القديمة باعثة للشاعرية بينما الطرق السريعة يصفها قائلاً ” ففي الطرق السريعة ، كل ما تراه إما انطلاقك إلى ذلك المطلق البعيد، المفتوح الذي يكرس حس التوحد مع الطريق والهرب مما يحيط به ، أو تغذية حس السرعة الوهمي، الناشئ من فكرة أنك يجب أن تصل سريعاً رغم أنك -غالباً – حينما تصل سريعاً تكتشف أنك لا تحتاج للوصول سريعاً ..(ص٩١-٩٢)”.

***

استخدم الكاتب صوراً التقطت بالأبيض والأسود ليجعلها تسكن خيال القارئ الذي حتماً رأى ما يشبه تلك الصور، ولم يلقِ لها بالاً في حياته الشخصية.. فقط يحتاج القارئ خيال تلوين الصورة ليصادق عليها، كما يضيف الكاتب الموروث الشعري النبطي لكي يجعل الرواية أكثر التصاقاً بالبيئة المحلية، فنرى استشهادات شعرية شديدة الخصوصية مثل قصائد بندر بن سرور ومحمد القاضي وغيرهم، كما يستعين بالشعر الفصيح في مساحات أخرى.

 كل هذه الأساليب التي استخدمها احمد الحقيل في رواية (طرق ومدن) جعلتها ملحمة  نجدية / سعودية بإمتياز.

 

صفحة الكتاب على قودريدز:

This is box title

الكتاب: رواية طرق ومدن

الكاتب: أحمد الحقيل

دار النشر: دار ومكتبة صوفيا – 2019

عدد الصفحات: 408

رابط الرواية في القودريدز

https://www.goodreads.com/book/show/44141293

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.