شعرلوجيا

0 1٬053

هادي رسول – السعودية

لفتني وأنا أقرأ رواية الخلود لميلان كونديرا مفهومًا يجترحه الروائي الفرنسي. عبّر كونديرا عن هذا المفهوم بمصطلح الصورلوجيا، والذي يعني به تحوّل الأيدلوجيا إلى حشد من الصور الترويجية والشعارات الإيحائية. قد تكون هذه الأيدلوجيا فقيرة معرفيا، وضعيفة الإنتاج الفكري، وضئيلة في حيويتها المفاهيمية، فتلجأ إلى التحوّل الصورلوجي؛ لتتغلب على الواقع الذي هو أقوى من الأيدلوجيا حسب رأي كونديرا.

ما اجترحه كونديرا كمفهوم، ويعبّر بعمق عن تحوّل الأيدلوجيات إلى مواد ترويجية؛ يقودني إلى استلهامه وتطبيقه على الشعر لا سيما في وسائل التواصل التي أصبحت وسائل ترويجية للفعل الإنساني بمختلف قدراته وتباين مستوياته، وفي الممارسة الشعرية تحديدًا يبدو أننا أمام شعرلوجيا قائمة في قبال الشعر!

الشعرلوجيا!

ليس بوسعنا إغفال وعينا، والتعتيم عليه، عن ما نراهُ من حشد كمّي للشعر، أو بتعبير أدق، ما نراهُ من نصوص خطابية لها شكل الشعر، تتدفّق بكمية هائلة في وسائل التواصل، وكأنها عملية تحوّل للشعر منه كفعل جمالي وحفر رئيوي، إلى حشد متراص ومتراكم من الشكل الشعري المهترئ، الذي أصبح كليشيهات خطابية تشير فقط إلى اسم كاتبها أكثر مما تشير إلى الشعر كممارسة جمالية رئيوية خلّاقة.

إنَّهُ و للأسف زمن الشعرلوجيا بامتياز. يقول كونديرا “الأيدلوجيات تنتمي إلى التاريخ، أمّا نفوذ الصورلوجيا فيبدأ حيث ينتهي التاريخ”، و هنا سأردف على قول كونديرا الشعر كممارسة جمالية ذروة متصلة ممتدة من التاريخ إلى المستقبل، تاريخ على تماس بالحالة الإبداعية والإنسانية، ومستقبل نبحث عنه في لحظة فقد عارمة، أما حالة الشعرلوجيا هي حالة بلا تاريخ ولا مستقبل، لكنها مهيمنة في حضورها واقتحامها بسطوة على مشهد النشاط الأدبي، سطوة لها شكل شعري مشوّه، مكرور، مُبْتَذَل و مُسِفّ.

يقول كونديرا أيضُا “إنّ الصورلوجيا انتصرت انتصارًا تاريخيا على الأيدلوجيا في العقود الأخيرة”، ولعلّنا الآن و للأسف نشهد انتصارًا مرحليًا للشعرلوجيا على الشعر.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.