عبد الرزاق قرنح الأديب التنزاني الفائز بجائزة نوبل للآداب 2021

 يصنع الحدث بمعرض الشارقة بالإمارات 

0 219

إدريس بوسكين – الجزائر

حضر الروائي التنزاني عبد الرزاق قرنح, الفائز بجائزة نوبل للآداب 2021, معرض الشارقة الـ 40 للكتاب الذي تتواصل فعالياته حاليا بإمارة الشارقة بالإمارات العربية المتحدة حيث قدم ندوة أدبية حضرها العديد من “محبيه” وأخذوا يتسابقون لأخذ صور معه والحصول على توقيع على إحدى رواياته.  

لم يكن قرنح قبل حصوله على نوبل سوى كاتب مغمور مقارنة بالعديد من الروائيين الذين تسطع أسماءهم في المحافل الأدبية الدولية ووسائل الإعلام ومنذ سنوات طويلة كالياباني هاروكي موراكامي والتشيكي الفرنسي ميلان كونديرا والتركية إليف شافاق وهي أشهر منه بكثير وحتى في بريطانيا نفسها أين يعيش وتعيش فرواياتها هناك تملأ المكتبات وتضج بها التظاهرات الثقافية وتصنع الحدث في كل مرة.

لم تكن أعمال هذا الكاتب معروفة في العالم حيث لم تترجم له إلا خمس روايات إلى الألمانية وثلاث إلى الفرنسية وروايتين للإسبانية في حين ترجم بعضها إلى الإيطالية ولم يعاد طبعها لعدم اهتمام القراء بها , حسب ما جاء في الصحافة الإيطالية, كما أنها لم تترجم إطلاقا إلى العربية ولا حتى إلى السواحلية لغته الأم.

ولا أقول هنا أن الترجمة عامل حاسم في تصنيف الكتاب وتحديد مستوى إبداعاتهم وهذا لأن العديد من الروائيين اليوم حول العالم يقومون بتحويل رواياتهم إلى اللغات الأخرى عن طريق العلاقات ودفع الأموال فتجدهم يتباهون بأنها قد صدرت بالصينية أو السويدية أو حتى الكردية أو لغة الواق واق, ولكن الترجمة في كل الأحوال تبقى معيارا لتصنيف أعمال أي كاتب.

كان قرنح صريحا جدا وقال مباشرة في ندوته أنه “لم يتوقع يوما الحصول على هذه الجائزة” مقارنة حتى ببعض الكتاب الأفارقة الذين اعتبرهم “أكثر منه حضورا وشهرة” كالروائي الصومالي نورالدين فرح الذي ينتمي لمنطقته الجغرافية, شرق إفريقيا, رغم أن فرح نفسه ليس معروفا كإسم لتلك الدرجة إلا في تلك المنطقة لربما.

لقد عاد الكاتب إلى حضور الأدب الإفريقي في العالم واعتبر أن تواجد الكتاب الأفارقة في أوروبا وبريطانيا خصوصا كان دائما ضعيفا وأن أعمالهم عموما كانت دائما غائبة باستثناء بعض السلاسل الأدبية التي كانت تعرف بهم للقراء وهذا على الرغم من وجود العديد من الأسماء الكبيرة كالنيجيري تشينوا أتشيبي غير أنه اعتبر أن دور النشر الغربية اليوم قد بدأت تهتم أكثر بهذا الأدب.

والغريب أن قرنح قد تجاهل في خطابه الأدب الإفريقي المكتوب بالعربية أو الفرنسية أو أي لغة أخرى من اللغات المحلية أو لغات المستعمرين الأوروبيين رغم شهرة العديد من كتاب هذه اللغات كالمصري نجيب محفوظ الذي سبقه في الحصول على نوبل وكان يكتب بالعربية, وقد صرح في هذا الإطار أن خلفيته “الثقافية والاجتماعية إسلامية وليست عربية” وأنه لا يجيد العربية” بل وأنه “لم يقرأ لكتاب من البلدان العربية إلا نادرا جدا ولأسماء لا يتذكرها!”.

ظننتها مزحة!

رواية الجنة
رواية الجنة

يقول قرنح أنه لدى اتصال الأكاديمية السويدية به لإعلامه بحصوله على جائزة نوبل للآداب في أكتوبر الماضي ظن الأمر مزحة في البداية خصوصا أنه يوجد كتاب أفارقة آخرين أشهر منه بكثير كنور الدين فرح غير أنه أضاف أنه “لا يمكن في كل الأحوال التكهن بما تقوم به هذه الأكاديمية”.

واعتبرت الأكاديمية آنذاك منحها لجائزة نوبل لقرنح (73 عاما) كتكريم لـ “سرده المتعاطف والذي يخلو من أي مساومة لآثار الاستعمار ومصير اللاجئين العالقين بين الثقافات والقارات”, كما أوضحته لجنة تحكيم الجائزة, حيث أهدى فوزه ذاك لإفريقيا والأفارقة.

وكانت نفس الأكاديمية قد توجت كاتب الكلمات والملحن والمغني الأمريكي الشهير بوب ديلن بجائزة نوبل للآداب في 2017 على اعتبار أنه أيضا “شاعر” ما شكل صدمة كبيرة في الأوساط الأدبية والثقافية حول العالم, صحيح أنه فنان من طراز رفيع وأغانيه روائع إلا أنه لا يستحق الجائزة بإجماع النقاد خصوصا في ظل وجود أسماء روائية وشعرية كبيرة ومبدعة حول العالم ولا يمكن لديلن في كل الأحوال أن يقارن بها.    

على الكاتب ألا يستسلم

وعن بداياته في الكتابة قال قرنح أنه حين شرع كتابة روايته الأولى “ذاكرة الرحيل” التي صدرت في 1987 كان يكتب أمورا دون أن يفكر في أنها رواية قابلة للنشر حيث كانت الكتابة آنذاك بالنسبة له “نوع من النشاطات الترفيهية التي كان يستمتع بها”.

وأضاف أن نشر هذا العمل تطلب “سنين طويلة” حيث كانت له اهتمامات أخرى كالدراسة مثلا ومشاغل الحياة كما أن العمل في حد ذاته رفض في الكثير من المرات من طرف دور النشر البريطانية لدرجة أنه بدأ يعتقد أنه “لا يصلح ككاتب” قائلا في هذا الإطار: “كدت أستسلم في الأخير”.

وعن طريقته في كتابة الرواية قال قرنح أنه ليس هناك سبب واحد يجعل الكاتب يؤلف رواية “جيدة”, مضيفا أنه بالنسبة له “يجب أن نكون صادقين وواضحين وأن نعرف كيف نخترق موضوعا ما وهذا ما يجعل الكتابة جميلة”. 

والكاتب من مواليد 1948 وبدأ الكتابة في بلد اللجوء بريطانيا وهو في الواحد والعشرين من العمر رغم عدم إتقانه الجيد للإنجليزية آنذاك, كما قال في الندوة, وعلى مر السنين أتقن لغة شكسبير وتدرج في التعليم إلى أن أصبح أستاذا جامعيا للغة الإنجليزية والآداب الما بعد كولونيالية إلى غاية تقاعده مؤخرا.

اللجوء قضية إنسانية وعلى الغرب الاستفادة من المهاجرين

بجانب البحر
بجانب البحر

عاد قرنح في ندوته إلى بداياته في بريطانيا قائلا أنه قدم إليها  وعمره 18 عاما وأنه كان آنذاك متوجسا من كلمة لاجئ لما كانت ترمز له من معاناة جراء المشاكل السياسية, غير أنه اعتبر أن اللجوء في حد ذاته أمر “نبيل” موضحا أنه غادر تنزانيا فقط لـ “رفضه الوضع السياسي آنذاك في بلاده” ولأنه لم تكن هناك إمكانية للدراسة ولأنه أيضا “كان يريد الشعور بالرضا”. 

ولفت في هذا السياق إلى تأثير تجربته الحياتية على أعماله الروائية التي تناولت كلها مواضيع الهجرة واللجوء والعنصرية والعلاقة بين أوروبا وإفريقيا وهي مواضيع صنفها النقاد في إطار الأدب المابعد كولونيالي, مقدما في هذا الباب سادس رواياته “بجوار البحر” (2001) التي صدرت بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.

وندد هذا الكاتب النوبلي في سياق كلامه بالعنصرية التي يواجهها اللاجئون والمهاجرون في أوروبا وأستراليا وغيرها من البلدان المنتمية للفضاء الغربي, معتبرا أنه عوض أن تستفيد منهم هذه البلدان في تنمياتها الاقتصادية يقوم بعض سياسييها وإعلامها بتغذية العداء العنصري ضدهم.

وعاد قرنح إلى طفولته “الحافلة” بجزيرة زنجبار لافتا إلى أن مجتمعه كان دائما متفتحا ومتعددا وفي هذا يقول “كنت دائما قريبا من البحر الذي كنت أراه من نافذة منزلي وكذا المرافئ التي كانت تجلب أناسا من سلطنة عمان والصومال والهند وشاهدة على تلاقح بشري رائع”.

وألف قرنح حوالي عشر روايات إضافة إلى مجموعات قصصية وكتب أكاديمية عن مواضيع تخص ما بعد الكولونيالية, ومن أشهر رواياته “الجنة” (1994) التي نافست في القائمة القصيرة لجائزة البوكر البريطانية والتي اعتبر البعض أنها العمل الحاسم في نيله جائزة نوبل و”عن طريق البحر” (2001) التي نافست في القائمة الطويلة لنفس الجائزة بالإضافة إلى  “الحياة بعد الموت” (2020).

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.