أن تكون صديقاً لقلعة في رمضان

صندوق الدنيا - القلاع

0 457

مهدي سلمان – البحرين-سماورد

لم يكن صديقي جلجامش أول من عرّفني على قلعة عراد. كنتُ على صلة بها من قبل. صلة ربما تكون ضعيفة أو واهية. لا أتذكر منها ربما إلا باص المدرسة، ووقوفنا في فناء المدرسة للرحلة المقبلة؛ وربما بناء ضخم وقديم؛ كان يقال عنه أنه قلعة عراد! لم أكترث له وقتها. وتلك الرحلة الصيفية إلى قلعة عراد كانت مضجرة بالنسبة لي، خصوصاً وأنني يومها لم أحظَ بالمبلغ المطلوب لمثل هذه الرحلة وهو دينار واحد.

لكن صديقنا جلجامش كان مختلفاً؛ لأنه حين دعاني إلى زيارة قلعة عراد، لأكثر من شهر ونصف، ولمدة ساعتين أو تزيد يومياً. عرّفني عن قرب بهذه القلعة. عرّفني بتفاصيل صغيرة فيها. عرّفني إليها كصديقة صغيرة أستطيع أن ألعب معها؛ لا جدة كبيرة محنطة أزورها وأتبرك بها.

وجلجامش الصديق المسرح، هو (مسرح جلجامش)، وهو أيضاً مسرحية (جلجامش) التي عرضت على قلعة عراد، خلال احتفال البحرين بمهرجان السينما العربية الأول عام 2000م؛ وكنت فيها أتقمص دور أنكيدو، الصديق الوحشي الذي يحاول أنكيدو أن يؤنسنه. وهكذا، أنسنت أنا وقتها علاقتي بالقلعة. رأيتها عن قرب. نمتُ على حيطانها الكبيرة. دخلت غرفها المظلمة واقتربت أكثر منها. قلعة عراد، بالنسبة لي وقتها، كانت صديقاً من أصدقائي الذين تعرفت بهم خلال المسرحية. ربما في البدء نظرت إليها كقيمة حضارية كبيرة؛ ولكن ما إن تكون بهذا القرب من بناء بحيث تشاركه المنام؛ تشاركه الطعام؛ تشاركه المزاح والفرح والبهجة، تشاركه الهواية واللعب والتمثيل؛ حتى تزول هيبة القيمة وتحل محلها الصداقة. يصبح البناء، مهما كبر، ليس سوى كتف صديق تتكئ عليه بيدك، وأنت تتقاسم معه لحظاتك تلك.

ما وطّد هذا، أنني في مراحل تالية كنت صديقاً، أيضاً، لعراد مرتين؛ ولكن في هاتين المرتين لم أكن ممثلاً. كنت منفذاً لديكور مسرحيتين لفرقة جلجامش أيضاً. وفي هاتين التجربتين أعتقد أني تقرّبت أكثر من عراد. في التجربة الأولى، أذكر أنها تجربة رمضانية، وبالتأكيد أن تكون صديقاً لقلعة في شهر رمضان هذا أمر غير مألوف؛ ولكن أيضاً حين تكون كذلك، فلابد أن تكون صديقاً ليلياً؛ لأنك لن تسطيع العمل خلال نهار هذا الشهر. لذلك، فقد كنا نعمل خلال ليالي رمضان، طوال ما يقارب عشر ليالي. عشر ليالي، منذ العاشرة تقريباً أو ما بعدها حتى ما قبل أذان الفجر. وليل قلعة عراد مختلف لأنه ليل هادئ، قريب من البحر. في تلك التجربة، كدت أقع في عشق تلك الصديقة. وأقول كدّت، لأنني وهي فضلنا أن تكون علاقتنا علاقة صداقة فقط؛ لأنها ستكون أكثر رحابة من العشق، بالرغم من أنني استمتعت بشيء من العشق في تلك الليالي؛ عشق شاعرٍ يأخذ قلعة من يدها إلى البحر، ويجلس معها خلال منتصف الليل.

عراد القلعة بالرغم من حجمها الكبير، لا تُشعرك بأنها مغرورة. عراد قلعة شاعرة؛ لأنها هادئة، ومتأملة، وصديقة جميلة أيضاً؛ لأنها قادرة على الإمساك بك حين تكون تتمشى على جدرانها وتتنقل بين غرفها؛ لا تُسقطك؛ ولكنها لا تقلقك بقلقها عليك كأم. لا أستطيع أن أشعر بعراد وكأنها أم، إنها صديقة فحسب. صديقة جميلة أشتاقها كثيراً، وأشتاق أكثر أن أزورها، حين يكون أحفادها يزورونها كجدة مقدسة، بينما أنا أزورها كصديق حالي، وعاشقٍ محتمل.

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.