عروس القلاع العربية….وفخرها

صندوق الدنيا - القلاع

0 612

سطور من حكاية القلعة الطرابلسية (السرايا الحمراء)

الفيتوري الصادق- كاتب – ليبيا-سماورد

تأخذك الدهشة، وتحتار بين أن تبهج نظرك بجمال معمارها الفريد الذي جعلها مختلفة عن كل القلاع الساحلية بوطننا العربي، وبين الإبحار في تاريخها القريب والبعيد متحسساً أثار من مروا من هنا: رومان، فينيقيين، مالطيين، أسبان، عرب مسلمين، أتراك، وطليان / مكتشفين، وفاتحين، ومعمرين، وقراصنة، وقادة. تركوا بصماتهم تتنفس أسمائهم بين أروقة القلعة وردهاتها وفوق أبراجها العابقة بالتاريخ والإرث متعدد الوجوه والأزمنة والثقافات.

لعل الشيء الأبرز الذي سيلفت انتباهك، وأنت تشرع في دخول القلعة، هو مجسم فيلادلفيا على بعد بضعة أمتار من المدخل الرئيسي. فيلادلفيا السفينة الحربية الأمريكية الشهيرة، التي أسرها البحارة الليبيون في المياه الطرابلسية عام 1801م، عند دفاعهم عن القلعة مستعينين بمدافعها التي أجبرت القوات الأمريكية الغازية على التراجع في أول غزوة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، في الفترة التي حكم فيها جيفرسون خلفا لجورج واشنطن مؤسس أمريكا، وفي عهد الأسرة القرناملية التي استقلت بحكم طرابلس من سنة1711م إلى سنة 1895م. لقد سجل العرب الليبيون في تلك الواقعة أول هزيمة للولايات المتحدة الأمريكية – الدولة الوليدة حينذاك –  ملقنين الغزاة القادمين من بعيد والحالمين بالدخول لأفريقيا من بوابتها العربية الشمالية درساً لم ولن ينساه التاريخ ولا الأمريكان، الذين وثقوا لهذه الهزيمة في أحد المقاطع بنشيد البحرية الأمريكية العسكري، الذي يردده الجنود كل صباح حتى الآن “من مرتفعات منتيزونا إلى شواطيء طرابلس”.

أنشأت القلعة الطرابلسية على يد الفينيقيين الذين أسّسوا مدينة (أويا) في حدود عام700ق.م، إضافة إلى مدينتي  لبدة وصبراتة. ومن هنا جاءت التسمية الرومانية لاحقا لأويا (تريبوليس.. أي المدن الثلاثة). لقد نجح الفينيقيون بأن يجعلوا من إقليم أويا أهم مركز بحري تجاري على ساحل المتوسط. لعبت القلعة، منذ بنائها، دور الحصن المنيع والمدافع الرئيس عن المدينة وما يتبعها من أقاليم مجاورة. ولقد أشاد المسلمون الفاتحون بقيادة عمر بن العاص في سنة 21هـ الموافق 642م بقوة ومنعة تلك الحصون، التي أجبرتهم على محاصرتها شهراً كاملاً، قبل أن تفتح القلعة أبوابها لتصبح أهم القلاع العربية الإسلامية على ساحل الأبيض المتوسط.

 تعرضت القلعة، منذ بنائها حتى الآن، لإضافات وتغييرات كثيرة؛ غير أنها حافظت على معمارها الفريد ومساحتها التي تبلغ 1300م مربع، رغم ما أحدثته فترة الاحتلال الأسباني  لمدينة طرابلس 1510م من تغييرات أهمها اسم القلعة الحالي (السرايا الحمراء)، بعد أن صبغوا أجزاء من جدرانها باللون الأحمر. وتطلق تسمية السرايا بلهجة أهل طرابلس وبعض المناطق المغاربية على القصر أو المسكن  الفخم. ويعود مصطلح سراي إلى اللغة التركية الذي يعني القلعة.

عاشت القلعة أحداثاً تاريخية كثيرة، وشغلت على مر العصور موقع القلب البحري للمدينة، ومقراً للحكم لكل من حكم طرابلس منذ بنائها وحتى مرحلة الاحتلال الإيطالي لليبيا 1911م. حيث تحول جزء مهم من السرايا في ذلك العهد متحفا أثريا لأول مرة عام 1919م. وهي الآن من أجمل المعالم التاريخية في مدينة طرابلس، ومن أهم متاحف الشمال الأفريقي على الإطلاق، خاصة بعد العناية والاهتمام الذي حازت عليه من الجهات المسئولة ليبيًا ودولياً؛ فتحولت إلى قبلة عالمية للدارسين والمهتمين بالتاريخ، والعاشقين للآثار الذين يؤمونها من كل أنحاء المعمورة.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.