لذة باتساع الرصيف

صندوق الدنيا - المقهى

0 355

أثير السادة – ناقد وفوتوغرافي سعودي

كل شئ من ذكريات هذا الشارع قد عبر مع حبيبات الإسفلت في الإرشيف، حيث أسلمت الذاكرة أمرها إلى تواقيع الحفارات وما تبقى من البنيان المتآكل في ضياع المدينة.
بانقطاع المد والجزر عن هذه الأرصفة انحسر وجه المكان وتبدد عبق العائدين بحلم القواقع مع آخر النوارس التي حملها الغيم باتجاه أزرق مستحيل. لم يعد للناس أرصفة تحمل أنفاسهم، ضحكاتهم، حتى الرصيف تلاشى في التصاق المباني، وانكماش الدروب التي يسري بها الضوء الى النوافذ.
باب هذا المقهى القديم وحده ظل مفتوحاً يلوح للعابرين بخيوط الذكريات، ويطرز في ابتهاج النهار قميصاً لهذ الرصيف الذي عليه غبار الوطن، وبقايا الحنين لحكايا النخيل.

الجالسون به يحتسون طعم المحطات الطويلة التي جمعت إلى صفحات أعمارهم مرارة القهوة وحلاوة الشاي، حتى ذابت الفناجين في الوعود الذابلة التي مرت من أمامهم من دون أن يدخلوا في بناء القصيد وهمس النشيد التي علمته المدارس أبناءهم.

الذين توافدوا لاقتسام الرصيف، تركوا غيمة من الهم والحزن لذين شاخت بهم مرايا الطريق فكانوا رماداً لاحتراق النخيل وعقد من الورد تأخر طويلا في عناق الندى.
كانوا هناك.

قهوة غراب:

قال عنها العلامة الراحل حمد الجاسر: «قهوة شهيرة في القطيف، وهي ملتقى الأدباء والتجّار والأعيان وشيوخ القبائل، وهي عبارة عن دهليز مستطيل المدخل كان متصلاً بسوق الخميس»، لكنها لم تعد كما كانت، فقد أصبحت ملاذاً للمتقاعدين والباحثين عن فسحة يؤثثون بها فراغ ساعاتهم، حيث الشاي الأصيل الذي لم تطله آلة الحداثة، والأحاديث المتفرقة التي لا حد لها، فالجلوس في المقهى يجعلك قريباً من روادها دون تكلف.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.