(المسرح الوطني) نقلة نوعية للمسرح السعودي

ورشة فن - مسرح

0 1٬027

سماورد – الرياض

منذ تأسسه في العام 1928 وحسب وثيقة أكدت ذلك، فإن المسرح السعودي عانى طويلاً من التهميش والمنع وعانى من تيار قوي جداً وقف ضده، وضد أن يتحرك حراً في الفضاء المجتمعي السعودي الذي رأى في المسرح مفسدة عظيمة وخروجاً عن النسق المحافظ للمجتمع السعودي مشفوعاً بفتاوى التحريم والتجريم.

هذه النظرة القاصرة للمسرح، اثرت حتى في مستوى التعاطي الرسمي لهذا الفن، الفن الضرورة، الفن الحضاري الذي قيل عنه “اعطني مسرحاً، اعطيك شعباً مثقفاً”، فالمسرح كفيل بأن يؤسس لأجيال عارفة ومثقفة. فواجه المسرح عدم الاهتمام من قبل الجهات الرسمية المفترض أن تكون حاضنته وداعمته، خاصة بعد أن انتقل المسرح وجمعية الثقافة والفنون وهي الجهة المنوط بها انتاج المسرح من الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى وزارة الثقافة والإعلام-سابقاً- حيث بدأت الوزارة في البدايات في محاولات لتحسين وضع المسرحيين عبر إطلاق جمعية المسرحيين السعوديين، لكن هذا الحلم المنتظر انتهى إلى الغياب بعد أن نفضت الوزارة يدها عن دعم الجمعية. وظل المسرحيون يراوحون مكانهم خاصة بعد أن دخلت الجمعية حالة التقشف التي فرضت عليها بسبب غياب الدعم المالي. حتى جاء موعد إعلان رؤية وزارة الثقافة الفتية التي وضعت المسرح والفنون الأدائية ضمن قائمة المبادرات التي أطلقتها في مارس 2019، وأعلنت عن إطلاق فرقة المسرح الوطني واعتمدت المسرحي عبد العزيز السماعيل رئيساً للفرقة، وانتظر المسرحيون شهوراً حتى تتضح معالم الفرقة، ماهيتها، وكيف يمكن أن تخدم قطاعاً واسعاً من المسرحيين. وحين أعلن موعد تدشين (المسرح الوطني) بعد تغيير الاسم ليكون منسجماً مع الأهداف التي وضعها السماعيل وفريقه في 28 يناير 2020، سافرت آمال المسرحيين إلى العاصمة الرياض، بل آمال المسرحيين العرب أيضاً من الضيوف الذين قدم المسرح الوطني لهم الدعوة لحضور احتفالية التدشين، ومن المسرحيين الذين يتابعون بلهفة أخبار هذا المسرح.

في ليلة التدشين، ألقى وزير الثقافة الشاب الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود كلمة نزلت كالبرد على قلوب المسرحيين، فها هي الدولة عبر ممثلها وزير الثقافة تعترف بالمسرح، بأهميته وبضروريته، حيث جاء في كلمته أن “رؤية المملكة 2030 تنظر إلى الثقافة بوصفها (من مقوّمات جودة الحياة)، لذا فإن وزارة الثقافة ملتزمة بدعم الحركة المسرحية وتمكين المسرحيين من أداء رسالتهم وفتح مساحات أرحب لإبداع السعوديين” هذا الالتزام جاء عبر تأكيده على سعي الوزارة لأن يكون المسرح الوطني قائداً للإبداع في الفنون الأدائية، وأكد ايضاً على أهمية بناء القدرات البشرية لصناعة مسرحية محلية بجودة عالمية، وشدد على أهمية الشراكة بين المسرحيين لتحقيق أهداف المبادرة. وهذا ما أكده أيضاً عبد العزيز السماعيل في كلمته.

في ليلة التدشين وبالإضافة للكلمتين قدم المسرح الوطني عرضاً احتفالياً بعنوان (درايش النور) كتب نصه الشاعر صالح زمانان وأخرجه فطيس بقنة بمشاركة عدد من المسرحيين السعوديين مثل إبراهيم الحساوي ونايف خلف وخالد صقر وعبد العزيز المبدل وغيرهم من المسرحيين الشباب، وهذا العرض قد أرسل مجموعة من الرسائل التي تلقفها المسرحيون براحة، رغم سخط بعضهم من مستوى العرض فنياً، فمن هذه الرسائل كان الحضور الطاغي للمرأة، عبر الغناء والرقص والتمثيل بعد سنوات طويلة من الغياب عن الخشبة، ومن الرسائل أن المجتمع السعودي يعيش حالياً حياة هادئة دون منغصات فترة الصحوة التي أرخت عليه ظلاماً طويلاً، فالعرض تناول التحولات التي تناوبت على المجتمع، من فترة التعايش والألفة إلى فترة الرفض، وحتى هذا الوقت الذي تغير كل شيء، وتحول المجتمع إلى مجتمع طبيعي يشبه أي مجتمع كان دون وصايات ودون تزمت.

لم يقدم مسؤولو المسرح الوطني أي ملامح لما سيقدمه المسرح للمسرحيين ليلة التدشين، لكنهم أعلنوا لاحقاً عن بعضها. فرؤية المسرح الوطني تتمثل في “أن يكون المسرح قائداً للإبداع في الفنون الأدائية ورائداً في إنتاج عروض سعودية ذات جودة عالية”، واهداف المسرح الوطني تكمن في:

  • بناء القدرات المسرحية المؤهلة في الصناعة المسرحية المحلية.
  • تطوير بنية ثقافية مستدامة تدعم المسرح محلياً.
  • دعم مشاركة المملكة في المسرح والفنون الأدائية على المستوى الدولي.
  • تقديم عروض وفعاليات مسرحية متنوعة لجذب الشرائح واسعة من الجمهور

ويمكن تحقيق هذه الأهداف التي يسعى لها المسرح الوطني عبر:

  • تقديم العروض المسرحية
  • المشاركة في الفعاليات والمهرجانات المسرحية العربية والعالمية.
  • بناء المواهب المسرحية بكافة المجالات.
  • تكوين فرقة وطنية ذات قاعدة ثقافية مستدامة وفق مسارات متوازية.

والمسارات التي سيعمل عليها المسرح الوطني هي:

عروض مسرحية: حيث سيتم التعاون مع الفرق والمؤسسات والجمعيات المحلية.

مسرح الطفل: حيث سيهتم المسرح الوطني في الدراما بالتعليم، والتدريب والتطوير.

المسار الثقافي: حيث سينظم المسرح المشاركة في المناسبات المسرحية الدولية.

وفي لقاء للسماعيل مع صحيفة الشرق الأوسط شرح ما سيقوم به المسرح الوطني في هذا الصدد حيث أن “الإنتاج سيكون بالتعاون مع الفرق المحلية، وسوف يتم سنوياً إنتاج عدد من العروض المسرحية تزيد سنوياً من خلال الفرق المحلية بتوفير الدعم المادي اللازم لها ومساندتها في تطوير تجاربها في أكثر من مدينة ومحافظة داخل المملكة، بينما تنظيم المهرجانات يشمل المهرجانات المحلية والدولية بأنواعها، ومسار الإنتاج يشمل المسرح للكبار والأطفال والمسرح الغنائي والأوبرا والمونودراما ودراما التعليم، والمسار الثقافي سوف يشمل التأليف والترجمة وطباعة النصوص… إلخ”، وأضاف حول خطة المسرح الوطني المستقبلية بشأن المهرجانات المسرحية “سوف يقوم المسرح الوطني بدوره في تنظيم مهرجانات محلية ودولية تليق باسم المملكة وبالمسرح السعودي من ناحية الإعداد والتنظيم، وسوف نبدأ هذا العام بتنظيم مهرجان وطني للعروض المسرحية وفنون الأداء في مدينة الرياض ليستمر متجولاً بعد ذلك على أهم المدن في المملكة كل عام”، كما سيعلن المسرح الوطني في 2020 عن أولى مسابقات المسرح الوطني لتأليف النصوص المسرحية للكبار والأطفال، ولها جوائز قيمة لتكون قاعدة بيانات مهمة للكتاب السعوديين وتأسيس مكتبة مسرحية سعودية.

كان هذا ما يحتاجه المسرحيون، اعتراف وتنظيم العمل المسرحي، ودعم جهودهم الذاتية التي غذت المسرح السعودي لسنوات بالتجارب المهمة. كانوا يتوقون لأن يوضع المسرح في قائمة الأهمية. وهذا ما تحقق بالمسرح الوطني الذين ينتظرون الشروع في أعماله، وتحقق أيضاً بعد إعلان رئاسة الوزراء تأسيس 11 هيئة ثقافية ومنها هيئة للمسرح والفنون الأدائية، وهو ما يعد اعترافاً بالمسرح بعد سنوات من التهميش والتقشف والركود. كل هذه الأجواء الإيجابية ستشكل فارقاً في التجربة المسرحية السعودية التي وجدت فسحة للعمل والاشتغال. المسرح السعودي قادم بالتأكيد.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.